للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" (١).

وإنَّما قَرَّرْنا هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مُراعاةُ المرأة، وأنها محُتاجَةٌ إِلَى الرعاية، وَكَذَلِكَ يَجِبُ ألَّا تُجاب إلى كُلِّ مَا تطلُب؛ لأنَّها ناقصةُ عَقْلٍ، وناقصةُ دِين، كما وصفها النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بذلك.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَات الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، نأخُذه مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}؛ فَإِنَّ هَذَا مِن قضاء اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقَدَرِه.

وَلَا يَصِحُّ أَنْ نَشْتَقَّ للَّه اسْمًا مِنَ الفِعل المُسنَد إليه {رَبَطْنَا} فنقول: الرابِط. لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الكون هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ومن تقديره، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نشتق لِكُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّه اسمًا، فأفعالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى متنوعة وكثيرة، والفعل يَخْتَلِفُ عَنِ الاسم، فَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ مُقَيَّدًا، مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠]، فلا نَشْتَقُّ اسْمًا مِنْ هَذَا الْفِعْلِ ونقول: الماكر مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] فلا نُسميه خادعًا، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥]، فَلَا نَقُولُ: إنه مستهزئ. وهكذا، فَهَذِهِ كُلُّهَا أفعالٌ مُقَيَّدَةٌ فِي أنواعها، وَلَكِنْ يجُوزُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ اللَّهَ مستهزئ بالمنافقين، وإِنَّ اللَّهَ خادع المنافقين، وإِنَّ اللَّهَ ماكِرٌ بالماكرين، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

* * *


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم (٣٠٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر باللَّه، رقم (٨٠).

<<  <   >  >>