لأنَّها مالُ حربيٍّ، فَهَذَا لَا وجه له، فلا يقال مثلًا: إنَّ أُمَّ مُوسَى لما لم يَقبل ثديَ غيرها كان إرضاعُها إياه فرضًا عليها، والفرضُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ العِوَض عليه، ففسَّر أخذ المال هنا عَلَى أنَّهُ مالُ حربيٍّ.
نقول: حتى مال الحربيِّ إذا جاء بصيغة عَقْدٍ، فلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ، إنما تأخذه بمقتضى العقد، والمُعاقَدَة بينك وبين الحَرْبِيِّين مِثل الاستِئمان، بَلْ هِيَ استئمانٌ في الواقع.
فالصَّواب أنها أخذتها؛ لأنَّها أُجِرَت عليه على كفالته وإرضاعه؛ لِأنَّهُ لَوْ لم تأخذ لكان فِي ذَلِكَ بلاء، ولَعَلِم أنها قريبة له أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فهي أخذته؛ لأنَّهم يعتقدون أَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّه، ويعتقدون أَنَّ هَذَا الطفل سوف يكون لهم، وذلك جائز باطنًا؛ لأجل كفالتها بالنِّسبة لهم.
يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ، فَتَرَبَّى عِنْدَهُ، كَمَا قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُ فِي سُورة الشُّعَرَاءِ:{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[الشعراء: ١٨]]، تربَّى عند فِرْعَون في بيت المَلِك، وكان يركب كما يركب الملوك، ويلبس لِباس الملوك، فبدلًا مِن أنَّهُ لَوْ كَانَ عند أُمِّه ما حصل له هذا الشَّيْء بلا شك، أمَّا الآن فأصبح مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا، وَذَلِكَ مِنْ تسخير اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له.
وقد ظل موسى يتردد على أُمِّه بَعْدَ الفِطام وبعد أن كَبِرَ، فهي أُمُّه مِن الرضاعة.
ومن المظنون عقلًا أنها أخبرته بالحقيقة بعدما كَبِرَ، فعَرَف وكتم الخبر عن آلِ فِرْعَوْنَ.
فائدة: لا يُعرف تحديدًا مَن أسماه باسمه هذا، هل هِيَ أُمُّهُ أَمْ آلُ فِرْعَوْنَ،