وعلى هذا، فيقول: الضَّمِيرُ فِي {أَكْثَرَهُمْ} يَعُودُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ، وهذه فمَكَث عندها إلى أن فَطَمَتْهُ، وأُجري عليها أُجْرَتُها لكل يوم دينار.
أما [كونه بقي عندها إِلَى أَنْ فَطَمَتْه]، فهذا واضح؛ لِأنَّهُ مَا دَامَ يحتاج للرضاع فسوف يبقى عندها.
وأما [أُجْرِيَ عليها أُجرَتُها] فهذا أيضًا صحيح؛ فإنه جُعل لها أجرة، وصاروا يرسلون إليها بالهدايا والتحف ويكرمونها؛ لأنَّها كافلةُ هذا الطِّفْلِ الَّذِي قَالُوا: إنه {قُرَّتُ عَيْنٍ}، و {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، ولهذا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قَالَ:"مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي، وَيَأْخُذُونَ الجُعْلَ يَتَقَوَّوْنَ بهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِثْلُ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا"(١).
وَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يأتيها ولدُها وتُرضِعه، وتُكرَم عليه، فلو لم تُلقه فِي الْيَمِّ، ولم يلتقطه آلُ فِرْعَوْنَ، لَبِقيت خائفةً وَجِلَةً، ولا تحصل لها أُجرة، ولا إكرام، ولا إعزاز مِن هؤُلاءِ الطغاة.
وأما قوله:[لِكُلِّ يومٍ دينار] فهذا غير مُسلَّم؛ لأن طريقنا في مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ أن نقول: ما ثبت عن الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو مقبول، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِن أخبار بَنِي إِسرَائِيلَ؛ فإننا نتوقف فيه، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ نجزم به هذا الجزم، بل نُحدِّث به، ولكننا لا نجزم به.
يقول:[لِكُلِّ يَوْمٍ دِينَارٌ، وَأَخَذَتْهَا لِأَنَّهَا مَالُ حَرْبِيٍّ]، سبحان اللَّه العظيم! ذهب وَهْم بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَذهبًا غريبًا، هل أخذتها؛ لأنَّها مالُ حربيٍّ، أم أخذتها لأنَّها أجرة على إرضاعها؟ بَلْ هِيَ أُجْرَةٌ، فهذا هو الأمر الطبيعي، أما كونُها تأخذ الأجرة؛
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٤/ ٢٢٨، رقم ١٩٥٣٢)، وسعيد بن منصور (٢/ ١٧٤، رقم ٢٣٦١)، أبو داود في المراسيل (١/ ٢٤٧، رقم ٣٣٢)، والبيهقي (٩/ ٢٧، رقم ١٧٦١٨).