للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّ الشَّيْء إِنْ كَانَ قَدْ كُتِب لِي، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى دعاء، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْتَبْ لِي، فَلَا فَائِدَةَ مِنَ الدُّعَاءِ.

والجواب عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: هو مكتوب لك بالدُّعاء، مكتوب لك بِهَذَا الشَّرْطِ بالدُّعاء، مثلًا لَا يَقُولُ قَائِلٌ: أَنَّا لَا أدعو؛ لأن المكتوب لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ، وَمَا لَا يُكْتَبُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ. فَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لأَنَّه مكتوب لك بِهَذَا السَّبَبِ.

كما لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أنا لن أتزوج، إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدَّرَ لِي ولدًا فسيكون، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرَ لي ولدًا، فَلَا فَائِدَةَ مِنَ الزَّوَاجِ. نقول: ولكنه مقدر بالزواج، فَهَذِهِ الْأُمُورُ الغيبية مِثل الأُمُور المشاهدة، كَمَا أَنَّ الْأُمُورَ المشاهدة لَا تَصْلُحُ إِلَّا بفعل الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوصِلُ إليها، فكذلك الأُمُور الغائبة لَا تَصْلُحُ.

إذن نقول: لَا تَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا؛ لأَنَّك إِذَا كُنْت مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فإنك سَتَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فلن تَكُونَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فيقال: أنت تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بعملك.

ولهذا لمَّا قَالَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدِ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أفلَا نَدَعُ العَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ قَالَ: "لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لمِا خُلِقَ لَهُ"، أو: "فكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ - ١٠] (١).


(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، رقم (٤٩٤٥)، ومسلم: كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم (٢٦٤٧).

<<  <   >  >>