للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِثل قَوْلِهِ تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦]، فـ (أنْ) هنا مُخَفَّفَة مِن الثقيلة، يعني: وأنهم لو استقاموا.

قوله تعالى: {أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ} أي: أراد موسى، والبطشُ: الأخذ بِقُوَّة.

قوله تعالى: {بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} لموسى والمستغيث به، قال المستغيث ظانًّا أنه يَبْطِشَ بِهِ لمَّا قَالَ لَهُ: {يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}. والظَّاهر هُنَا أَنَّ مُوسَى قد تهيَّأ، وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَل، فشاهد المستغيثُ ذلك، وإلا فكيف عَرَفَ أَنَّ مُوسَى أراد، والإرادة محلُّها القلب؟

قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [قَالَ المُسْتَغِيثُ] يعني: الْفَاعِل فِي [قَالَ المُسْتَغِيثُ]، وهذا يُبعده أمران: أمرٌ لفظي، وأمرٌ معنوي:

أما الأمر اللفظي: فإنَّ {قَالَ} ضميرهُا يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو القبطي.

والأمر المعنوي: أنَّهُ قَالَ: {يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي}، وَاللَّهُ يَقُولُ: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا}، فنحن نفسر الإرادة الثَّانية بالإرادة الأُولى؛ لأن القبطي هُوَ الَّذِي قَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}.

والقبطي قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ للإسرائيلي: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، فقد اشتهرت قصة الْقَتْلِ فِي المَدينَةِ وظهرت، وصار النَّاس يتحدثون عنها، فعرف القبطي أن الإسرائيلي عَدُوٌّ لَهُ، وَهُوَ مَا لَامَه مُوسَى عليه قائلًا: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، فاستنتج مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي قتلَ القبطي بالأمس هو موسى، فقال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الراجح مِن قَوْلَي المُفَسِّرين.

والمُفَسِّرون لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

<<  <   >  >>