للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الإسرائيلي، مَعَ أَنَّ مُوسَى تهيَّأ للبَطش بالقبطي، لَكِنَّهُ ظَنٌّ أنه سيَبطش به، لذا قال: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}.

ثانيهما: أَنَّ الْقَائِلَ هو القِبطي، ويُرجح ذَلِكَ أنَّهُ لمَّا قَالَ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الإسرائيليين أعداءٌ للأقباط، وعَلِم أو استنتج أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ القبطي بالأمس، وَلِهَذَا قَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي}؛ لأني قبطي مثلما قتلتَ القبطي بالأمس.

قَوْلُه تعالى: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}: {إِنْ} بِمَعْنَى (مَا)، وهي نافية، وقوله: {جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} الجبَّار: معناه المتعالي المترفِّع عَلَى غَيْرهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ، وله ثَلَاثَةُ مَعَانٍ:

أحدهما: المتعاظِم، وذو القُوَّة والبطش.

الثَّاني: الجْبَّارُ الَّذِي يَجْبُر الكَسِير، ويرحمه، ويعطف عليه.

الثالث: يَقُولُ ابْنُ القيم في (النونية) (١):

وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهْوَ الْعُلُوّ ... فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ

مِنْ قولهم: جَبَّارَة، للنخلة العُليا، وجَبَّار: بمعنى الارتفاع، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: نخلة جَبَّارة، يعني: طويلة مرتفعة، لَكِنْ إِذَا جَاءَتْ فِي صِفَاتِ غَيْر اللَّهِ؛ فإنها للذَّم، قَالَ اللَّهُ تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: ٣٥].

واتِّهام موسى بقوله: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} استنادًا على قَتْلِه القِبطي بالأمس، وإرادة قتله اليوم.


(١) نونية ابن القيم المسماة بالكافية الشافية (ص ٢٠٩).

<<  <   >  >>