واتِّهامه بقوله: {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} أخذها أَيْضًا مِنْ قَتْلِه بالأمس، وسيَقتُل اليوم، والمصلح عَادَةً لَا يعتدي عَلَى أَحَدِ المتخاصمَينِ، ولكنه يحاول الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ يَقُولُ: إنك بإرادتك الْقَتْلَ، وَقَدْ قتلتَ بالأمس، معناها أنك تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا، ولا تريد الإصلاح، إِذْ إِنَّ مَن يُريد الإصلاح يسعى بالإصلاح بَيْنَ النَّاسِ، لا يسعى بأن يَسْتَعْدِيَ عَلَى أَحَدِهِمْ دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لا ينطبق عَلَى مُوسَى؛ لأن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا أَرَادَ إِلَّا الإصلاح، وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ ظَنَّ أنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الجبروت، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شِيعته.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}: [فَسَمِعَ الْقِبْطِيُّ ذَلِكَ فَعَلِمَ أَنَّ الْقَاتِلَ مُوسَى فَانْطَلَقَ إِلَى فِرْعَوْنَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ بِقَتْلِ مُوسَى فَأَخَذُوا فِي الطَّرِيقِ إِلَيْهِ]، هَذَا الَّذِي فَسَّره بِنَاء عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنَ أَنَّ الَّذِي قَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي} هو الإسرائيلي، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ فإن القبطي لمَّا رَأَى أَنَّ مُوسَى يُرِيدُ قَتْلَهُ، استنتج أنه القاتل بالأمس، فترك المخاصمة، وَذَهَبَ إِلَى آلِ فِرْعَوْنَ، وأخبرهم، وإذا أخبرهم فسوف ينتقمون لأنفسهم.
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute