للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِصَّةٍ أخرى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: ٢٠]، فِي الْأُولَى قَدَّم {رَجُلُ} على {أَقْصَى الْمَدِينَةِ}، وفي الثَّانية أَخَّرها، والحِكمة مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قِصَّةَ سُورَةِ الْقَصَصِ فِيهَا اهتمامٌ بِالْخَبرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فقدَّم ذِكْرَهُ عَلَى ذِكْرِ المكان، فكونه جَاءَ مِنَ الأقصى، أَوْ مِنَ الْأَدْنَى لَا يُؤَثِّرُ، أَمَّا فِي قِصَّةِ الرُّسل الثَّلَاثَةِ فِي سُورَةِ يَس، ففيها اهتمامٌ بكَوْن هَذَا الرَّجُلِ بَعيدًا عن الرُّسل، وَمَا جَاءَ إِلَّا ليؤكد صِحَّةَ مَا جاءوا بِهِ قَبْلَهُ.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} آخِرُها، يعني: أَبْعَدُها مِنْ مَكَان موسى. وقال: في {يَسْعَى}: [يُسرع في مشيه مِنْ طَرِيقٍ أَقْرَبَ مِنْ طريقهم]، وتقدَّم أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّبَّاحين خرجوا ليذبحوا موسى، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ.

وقوله: {يَسْعَى} يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفة، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حالًا، صِفة لِأَنَّ قَوْله {رَجُلٌ} نكرة، وحالٌ لِأَنَّ هَذِهِ النكرةَ وُصِفت بقوله: {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ}.

ومعنى {يَسْعَى}: أي يُسرع فِي المَشْي، كَمَا قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الإسراع -كَمَا زَعَمَ- حَتَّى يسبق مَنْ أُرْسِلَ إِلَى مُوسَى ليقتُلَه، وَقَدْ يَكُونُ خَوْفًا مِن تنفيذ ما ائتَمَروا عَلَيْهِ فِي شَأْنِهِ، والأخير هُوَ الْأَفْضَلُ.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ}: [مِن قَوْمِ فِرْعَونَ، {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} يتشاورون فيك].

قَوْلُهُ تعالى: {قَالَ يَامُوسَى} نداؤه بهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بموسى، ولهذا ناداه باسمه، وَلَكِنْ فِي قِصَّةِ مؤمن آلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ غافر قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} [غافر: ٢٨]، وهنا نجد أَنَّهُ مَا قَالَ: أتقتلون موسى؟ لأن المقام يَقْتَضِي أَلَّا يُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ

<<  <   >  >>