للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو العلاء التَّنوخيّ اللُّغويّ، الشاعر المشهور، صاحب التّصانيف المشهورة، والزَّندقة المأثورة.

له "رسالة الغفران" في مجلَّدةٍ قد احتوت على مزدكةٍ واستخفاف، وفيها أدب كثير، وله "رسالة الملائكة"، و"رسالة الطَّير" على ذلك الأُنْمُوذَج. ولهُ كتاب "سقط الزَّند" في شِعره، وهو مشهور؛ وله من النَّظم "لزوم ما لَا يلزم" في مجلَّدٍ أبدع فيه.

وكان عجبًا من الذَّكاء المُفرط والْإِطلاع الباهر على اللُّغة وشواهدها.

وُلِدَ سنة ثلاثٍ وستّين وثلاثمائة، وجدِّر١ في السَّنة الثالثة من عمره فعمي منه، فكان يقول: لَا أعرف من الألوان إِلَّا الأحمر، فإنِّي أُلبِستُ في الْجُدريّ ثوبًا مصبوغًا بالعُصْفُر، لَا أعقِل غير ذلك٢.

أخذ العربيّة عن أهل بلده كبني كوثر وأصحاب ابن خالَوْيه، ثمّ رحل إلى أطرابُلُس، وكانت بها خزائنُ كتبٍ مَوْقُوفَة فاجتاز باللّاذقيّة، ونزل ديرًا كان به راهبٌ له علم بأقاويل الفلاسفة، فسمع أبو العلاء كلامه، فحصل له به شكوك، ولم يكن عنده ما يدفع به ذلك، فحصل له بعض انْحلال، وأودع من ذلك بعض شعره، ومنهم من يقول: ارعوى وتاب واستغفر٣.

ومِمّن قرأ عليه أبو العلاء اللغة جماعة، فقرأ بالمعرفة على والده، وبحلب على محمد بن عبد اللَّه بن سعد النَّحوي وغيره.

وكان قانِعًا باليسير، لهُ وقفٌ يحصل له منه في العام نحو ثلاثين دينارًا، قرَّر منها لمن يخدمه النّصف.

وكان أكْلُه العدس، وحلاوته التّين، ولباسه القُطْن، وفراشه لبّاد، وحصيرة بَرْدِيّة، وكانت له نفسٌ قويَّة لَا تحمِل منَّة أحد، وإلّا لو تكسَّب بالشِّعر والمديح لكان ينال بذلك دنيا ورئاسة.

واتَّفق أنّهُ عُورِض في الوقف المذكور من جهة أمير حلب، فسافر إلى بغداد


١ أي: أصابه الجدري "انظر سير أعلام النبلاء "١٨/ ٢٤".
٢ المنتظم "٨/ ١٨٤"، معجم الأدباء "٣/ ١٢٥".
٣ إنباء الرواة "١/ ٤٩".