للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان يزِنُها والصَّانع يخبز، والمشتري واقف، فمات الثّلاثة في ساعة، فلمّا قرأ الكتاب هالهُ ذلك، فاستقرأ من القارئ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} [النحل: ٤٥] الآيات ونظائرها، وبالغ في التّخويف والتّحذير، وأثر ذلك في تغير في الحال، وغلبه وجع البطن من ساعته، وأُنزِل من المنبر، فكان يصيح من الوجع، وحُمِل إلى الحمَّام، فبقي إلى قريب المغرب، فكان يتقَّلّب ظهرًا لبطنٍ، وبقي سبعة أيَّام لم ينفعه علاج، فأوصى وودَّع أولاده وتوفِّي، وصُلِّيَ عليه عصر يوم الْجُمعة رابع المُحرّم.

وصلَّى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يَعْلى إسحاق.

وقد طوَّل عبد الغافر ترجمة شيخ الْإِسلام وأطنب في وصفه.

وقال في البارع الزّوْزَنيّ:

ماذا اختلاف النّاس في مُتفنِّنٍ ... لم يبصروا للقدح فيه سبيلا

واللَّه ما رقي المنابر خاطف ... أو واعظٌ كالحبر إسماعيلا١

وقال: قرأت في كتاب كتبه الْإِمام زين الْإِسلام من طُوس في تعزية شيخ الْإِسلام يقول فيه: أليس لم يجسُر مُفْتَرٍ أن يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وقته؟ أليست السُّنّة كانت بمكانةٍ منصورة، والبدعة لفَرْط حِشْمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى اللَّه هاديا عباد اللَّه، شابًّا لَا صبوة له، ثم كلهلًا لَا كبوة له، ثم شيخًا لَا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر، حطُّوا رحالكم، فقد استتر بحلال التّراب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أَعْظَم اللَّه أُجُورَكُم، فقد مضى سيّدكم وإمامكم.

وقال الكتّانيّ: ما رأيت شيخًا في معنى أبي عثمان الصّابونيّ زُهْدًا وعِلْمًا، كان يحفظ من كل فنٍّ لَا يقعد به شيء، وكان يحفظ التّفسير من كُتُب كثيرة، وكان من حُفّاظ الحديث٢.

قلت: ولَأبي عثمان مُصنَّف في السُّنة واعتقاد السَّلف، أفصح فيه بالحقّ، فرحمه اللَّه ورضي عنه.


١ المنتخب من السياق "١٣٥".
٢ تهذيب تاريخ دمشق "٣/ ٣٥".