يصيرون إليه ليلًا فيعرّفونه ما عملوا، فحملهم إسحاق مقيّدين إلى سامرّاء فجلس لَهم الواثق، وقال لأحمد: دع ما أخذت له. اتقول في القرآن؟ قال: كلامُ اللَّه. قال: أَمَخْلُوق هو؟ قال: كلامُ اللَّه قال: أَفَتَرى ربَّك في القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية. قال: ويْحَكَ يُرى كما يُرى المحدود المتجسِّم، ويحويه مكان، ويحصره النّاظر؟ أنا كفرت بربٍّ هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن بْن إسحاق، وكان قاضيًا على الجانب الغربيّ، فعُزِلَ: هو حَلال الدَّم. وقال جماعة من الفقهاء كقوله، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كان كاره لقَتْلَه، وقال: يا أمير المؤمنين شيخ مختَلٌّ، لعلّ به عاهة، أو تغيّر عقله، يؤخَّر أمره ويُستتاب. فقال الواثق: ما أراهُ إلا مؤدّيًا لكُفْره، قائمًا بِما يعتقده منه. ثُمَّ دعا بالصَّمصامة وقال: إذا قمت إليه لا يقومنَّ أحدٌ معي، فإنِّي أحتسبُ خُطاي إلى هذا الكافر الذي يعبُدُ ربًّا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بِهَا.
ثُمَّ أمر بالنّطْع١، فأُجْلِسَ عليه وهو مُقيّد، وأمرَ بشدّ رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدّوه، ومشى إليه فضرب عُنُقه، وأمر بِحمل رأسه إلى بغداد، فنُصِبَتْ بالجانب الشرقيّ أيامًا، وفي الجانب الغربي أيّامًا، وتتبّع رؤساء أصحابه فسُجنوا.
وقال الْحَسَن بْن محمد الحَرْبيّ: سمعتُ جعفر بْن محمد الصّائغ يقول: رأيتُ أحمد بْن نصر حيث ضُربت عنقه قال رأسه: لا إله إلا اللَّه.
قال المَرْوَزِيّ: سمعت أبا عبد اللَّه وذكر أحمد بْن نصر فقال: رحمه اللَّه، ما كان أسخاه، لقد جاد بنفسه.
وقال الحاكم عن القاسم بْن القاسم السَّيَّاريّ، عن شيخ له، هو رئيس مَرْو أبو العبّاس أحمد بْن سعيد بْن مسعود الْمَرْوَزِيّ قال: هذه نسخة الورقة المعلَّقة في أُذُن أحمد بْن نصر: هذا رأس أحمد نصر بْن مالك، دعاهُ عبد اللَّه الإمام إلى هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التَّشبيه، فأبى إلا الْمُعَانَدة، فعجّله اللَّه إلى ناره.
وكتب محمد بْن عبد اللَّه: وقيل إنّ الواثق حنق عليه لأنّه ذكر للواثق حديثًا فقال له الواثق: تكذب.