قَالَ: أنشدني شيئًا.
قلت: أعزَ الله الأمير، أَنَا حَدَث أمْزَح، لا أهجو ولا أمدح، وإن رَأَى الأمير أن يعفيني.
قَالَ: والله لتقولّن، فإنّ الَّذِي تقوله فِي بيجور يظلّ أشدّ لدواعي البلاء.
فأنشدته:
رأت منه عيني منظرين كما رأت ... من البدر والشمس المنيرة بالأرض
عشيّة حيّاني بوردٍ كأنّه ... خدودٌ صفَّت بعضهنّ إِلَى بعض
وناولني كأسًا كأن رُضابَها ... دموعي لمّا صُدّ عن مقلتي غَمضي
وولّى وفِعْل السُّكْر فِي حرَكاته ... من الراح فِعْلَ الرّيح فِي الغُصن الغضّ١
قال: فزدني. وقال: يا بني الناس يشبِّهون الخدود بالورد، وأنت شبّهت الورد بالخدود. زدني.
فأنشدته:
عش فحبيّك سريعًا قاتلي ... والفَناء إنْ لم تصلني واصلي
ظفر الحبّ بقلبٍ دنفٍ ... فيك والسّقم بجسمٍ ناحلِ
منهما بين اكتئابٍ وبِلًى ... تركاني كالقضيب الذّابلِ
وبُكى العاذل لي من رحمةٍ ... فبُكائي لبكاء العاذل
قال: أحسنت. ووصلني بثلاثمائة وخمسين دينار.
وعن أبي العَيْناء قَالَ: لقيت خالدًا الكاتب والصّبيان يعبثون به، فأخذته وأطعمته، وأنشدني:
مؤنس كان لي وكنت له ... يرتع فِي دولةٍ من الدُّول
حَتَّى إذا ما الزّمان غيّره ... عني بقول الوشاة والعذل
قلت له عن مقالةٍ سبقت ... يا مُنْتَهى غايتي ويا أملي
١ وفيات الأعيان "٢/ ٢٣٤".