للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعمل في حافاتها نفائق ... فيها لباغي المتّكا مرافقُ

وفي احْتدام الصيّف ظلٌّ رائقُ ... إنّ الّذي يحملها لمائقُ

ثم قَالَ: اجلس يا بربريّ: فجلس مسالمًا، فَقَالَ: أيّها الأمير، إنما كان النّاس يرغبون في هذه المنزلة ليدفعوا عن أنفسهم الضيم. فأمّا إذا صارت جالبة للذُّلّ فلنا دُورٌ تُغْنينا عنكم، فإن حُلْتُم بيننا وبينها فلنا قبور تَسَعنا.

ثم اعتمد على يده وقام ولم يسلِّم. فغضب الأمير وأمر بعزله، وبقي لذلك مدّة. ثمّ وَجَدَ الأمير لفْقده ونصيحته، فقال: لقد وَجَدْتُ لفقْد سليمان تأثيرًا، وإن استعطفته كان ذلك غضاضةً علينا، وَلَوَدِدْتُ أنّه ابتَدَأَنَا بالرَّغْبة. فَقَالَ له الوزير محمد بن الوليد بن غانم: أنا أكلمه.

فذهب إليه، فأبطأ إذْنه عليه، ثمّ دخل فوجده قاعدًا لم يتزحزح، فَقَالَ: ما هذا الكِبْر؟ عهدي بك وأنت وزير السّلطان وفي أُبَّهَة رضاه تلقاني وتتزحزح لي في مجلسك. فَقَالَ: نعم، كنت حينئذٍ عبدًا مثلك، وأنا اليوم حُرّ.

قَالَ: فيئِس ابن غانم نفسه منه فخرج ولم يكلِّمْه، ورجع فأخبر الأمير بالإرسال إليه، ثم ولّاه١.

وروى ابن حزم بسندٍ له أنّ الأمير عبد الله استفتى تقيّ الدّين مَخْلَد في الزِّنْديق، فأفتاه، وذكر خبرًا.

تُوُفّيّ عبد الله في غُرّة ربيع الآخر سنة ثلاثمائة، وولي الأندلس بعده حفيده النّاصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد خمسين سنة.

٢٦٣- عبد الله بن المُعْتَز بالله محمد بن المتوكّلُ عَلَى اللَّه جعْفَر بن المُعْتَصمِ بن الرشيد٢.

الأمير أبو العباس العباسي الأديب صاحب الشعر البديع والنثر الفائق. أخذ العربية والأدب عن: المبرد، وثعلب.


١ الحلية السيراء "١/ ١٢٤".
٢ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٤٢"، والمنتظم "٦/ ٨٤-٨٨"، والعبر "٢/ ١٠٤"، والنجوم الزاهرة "٣/ ١٦٥"، والبداية والنهاية "١١/ ١٠٨".