ودخل يومًا عَلَى ابن الفُرات فقال: أيها الوزير، عندنا كلاب ما تدعنا ننام.
قَالَ: لعلهم جري.
قَالَ: لَا واللَّه، ألا كلُّ كلب مثلي ومثلك.
وقيل: كَانَ يدعو ويقول: حسبي اللَّه وأنبياؤه وملائكته. اللهم أعد من بركة دعائنا عَلَى أهل القصور في قصورهم، وعلى أهل الكنائس في كنائسهم. وفرغ مرة من الأكل فقال: الحمد لله الذي لَا يحلف بأعظم منه.
ونزل مَعَ الوزير الخاقانيّ في المركب وبيده بطيخة كافور، فبصق في وجه الوزير وألقى البطيخة في دجلة. ثم أخذ يعتذر قَالَ: أردت أنّ أبصق في وجهك والقي البطيخة في الماء، فغلطت. فقال: كذا فعلت يا جاهل.
ومع هذا كَانَ سعيدًا متمّولًا محظوظًا.
قَالَ أبو عليّ التنوخي في "نشواره": سَمِعْتُ الأمير جعفر بْن ورقاء يَقُولُ: اجتزت بابن الجصّاص، وكان بيننا مصاهرة، فرأيته عَلَى روشن داره وهو حافٍ حاسر، يعدو كالمجنون، فلمّا رآني استحيا، فقلت: ويلك ما لك؟ فقال: يحق لي أنّ يذهب عقلي، وقد أخذوا منّي كذا وكذا أمرا عظيمًا. فقلت مسليًا لَهُ: ما سَلْم لك يكفي. وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الحاجة، فأصبر حتّى أواقفك، أنك غنيّ.
قَالَ: هات.
فقال: أليس دارك هذه بفرشها وآلاتها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟ فما زلت أحاسبه إلى أنّ بلغ قيمة ما بقي له سبعمائة ألف دينار.
ثم قلت: وأصدقني عمّا سَلْم لك من الجوهر والعبيد والخيل وغير ذَلِكَ.
فحسبنا ذَلِكَ، فإذا هُوَ بقيمة ثلاثمائة ألف دينار أخرى، فقلت: فمن ببغداد مثلك اليوم وجاهك قائم؟! فسجد لله وبكى، وقال: قد أنقذني اللَّه بك. ما عزانيّ أحد أنفع منك، وما أكلت شيئًا منذ ثلاث، وأحب أنّ تقيم عندي لنأكل ونتحدث. فقلت: أفعل. فأقمت يومي عنده١.
قَالَ التّنُوخيّ: وكنت اجتمعت مع أبي علي والد أبي عبد الله بن الجصاص