للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسألته عمّا يحكي عَنْ أَبِيهِ من أنّ الْإِمَام قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] فقال: إيْ لعمري؛ بدل آمين١.

وإنه أراد أن يقبل رأس الوزير الخاقانيّ، فقال: إنّ فيه دهْنًا.

فقال: لو كَانَ فيه خرا لقبلته. ومثل وصفه مصحفًا عتيقًا فقال: كسرويًا.

فقال: غالبه كذب، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلى هذا. ما كَانَ إلّا من أدهي النَّاس. ولكنه كَانَ يطلق بحضرة الوزير قريبا من ذلك لسلامة طبع كان فيه؛ ولأنه كان يحب أنّ يصور نفسه عندهم بصورة الأبله لتأمنه الوزراء لكثرة خلوته بالخلفاء. فأنا أحدثك عَنْهُ بحديث تعلم أنّه في غاية الحزْم.

ثمّ قَالَ: حدَّثني أَبِي أنّ ابن الفُرات لما ولي الوزارة، قَالَ: فقصدني قصدًا قبيحًا لشيء كَانَ في نفسه عليَّ وبالغ، وتلطفت معه بكل طريق. وكان عندي سبعة آلاف ألف دينار عينًا وجوهرًا سوى غيرها. ففكرت في أمري، فوقع لي الرأي في الليل في الثلث الأخير. فركبت في الحال إلى داره، فدققت فقال البوابون: لَيْسَ هذا وقت وصول، والوزير نائم.

فقلت: عرفوا الحجاب أني حضرت في مهم.

فعرفوهم، فخرج إليَّ أحدهم فقال: إنّه إلى السّاعة لم ينتبه.

فقلت: لَا، الأمر أهم من ذَلِكَ فنبهه.

فدخل ثمّ خرج فأدخلني إِلَيْهِ وهو عَلَى سرير، وحوله نحو خمسين نفسًا، كأنهم حفظة، وقد قاموا وهو جالس مرتاعًا، ظن أنّ حادثة حدثت، فرفعني وقال: ما الأمر؟ فقلت: خير، ما حَدَث شيء، ولا جئت إلّا في أمر يخصني.

فسكن وصرف من حوله، وقال: هات.

فقلت: أيها الوزير، إنك قصدتني أقبح قصد، وشرعت في هلاكي بإزالة نعمتي، ولعمري، إني أسأت في خدمتك. وقد كَانَ في بعض هذا التقويم بلاغ عندي. وقد جهلت في استصلاحك، فلم يغن شيء. وليس شيء أضعف من الهر،


١ راجع: نشوار المحاضرة "١/ ٢٩"، والهفوات النادرة للصابي "١٤٧"، وانظر فوات الوفيات "١/ ٢٧٥".