للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول القرطبي: لما فرغ إبراهيم -عليه السلام- من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، فصعد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس، إن الله قد أمركم بحج هذا البيت؛ ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا، فأجابه -كما في الرواية- من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك، فمن أجاب يومئذ حج على قدر الإجابة، إن أجابه مرة حج مرة، وإن أجاب مرتين حج مرتين، وجرت التلبية على ذلك، قاله ابن عباس وابن جبير.

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمة الله عليه-: ذكر المفسرون أنه لما أمره ربه أن يؤذن في الناس بالحج، قال: يا رب، كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: ناد وعلينا البلاغ.

فقام على مقامه -هناك في الرواية الأولى على جبل أبي قبيس- فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل من سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك.

قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ذكر هذا الكلام: هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف، والله أعلم.

وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما مطولة.

ولما ذكر في الآية الرجال والركبان أجمع العلماء على جواز الركوب والمشي، واختلفوا في الأفضل منهما فذهب مالك والشافعي وآخرين إلى أن الركوب أفضل اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكثرة النفقة، ولتعظيم شعائر الحج بأبهة الركوب، وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل لما فيه من المشقة على النفس ولتقديمه في الآية.

يقول القرطبي: استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر: {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(٢٧) سورة الحج] هذا المذكور في الآية، لكن ما ذكر بحر ولا جو، يقول القرطبي: استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر من هذه الآية على أن فرض الحج بالبحر ساقط.