ومنهم من فعل ذلك وزاد عليه بأن تصدر للنفع العام، ووقف نفسه ووقته وجهده لاستقبال الناس وإفتائهم وإرشادهم، والمقرر عند أهل العلم أن النفع المتعدي أفضل من اللازم في الجملة، لا يورد علينا أن الصلاة أفضل من الزكاة، لكن في الجملة النفع المتعدي -لا سيما في النوافل- أفضل من النفع القاصر، هذا المقرر عند أهل العلم، ولذا صار طلب العلم عند جماهير أهل العلم أفضل من نوافل العبادات؛ لأن نفعه متعدي ينتفع به الإنسان وينفع به غيره.
هؤلاء العلماء إذا وصلوا إلى تلك الأماكن، كل سلك مسلكه، وكل بحث عما يناسبه، فتجد القارئ يبحث عن القراء ويستفيد منهم ويفيدهم، وتجد المحدث يبحث عن المحدثين، ويستفيد منهم ويفيدهم، وتجد الفقيه كذلك، والمؤرخ كذلك، والأديب كذلك، وكل من له اهتمام بشيء بحث عن نظرائه وحاورهم وطارحهم وناقشهم واستفاد منهم وأفادهم، وهذا موجود في الرحلات، كل من كتب في الرحلات يظهر نفَسُه في كتابه وما يميل إليه.
كثير من أهل العلم ما دونوا هذه الرحلات وإن اشتملت على فوائد عظيمة، كثير منهم ما دونت رحلاتهم؛ والسبب في ذلك ما أشرت إليه في التقدمة، أن هذه المدونات جل مؤلفيها ممن له عناية بالأدب ممن يستطيع أن يصوغ المشاهدات، بعض الناس يشاهد لكن لا يستطيع أن يعبر عما شاهد وإن كان من أهل العلم، يعني ليست له دربة ولا خبرة بالعبارات والأساليب والأشعار وحفظ ما ذكر في هذه الأماكن، إنما يهمه قال الله وقال رسوله والحلال والحرام، ونِعْمَ ما اهتم به.