للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ترى الغصن إذا ... ما فارق الأصل ذوى

أبلغ من ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((السفر قطعة من العذاب، أو من نار))؛ معروف أنه يعوق عن تحصيل كثير مما كان يحصله في إقامته، لكن من رحمة الله -جل وعلا- بعباده أن جعل العمل يجري لصاحبه الذي كان يفعله في الحضر يجري له أجره إذا سافر أو مرض.

يقول ابن الخطيب، لسان الدين ابن الخطيب في حقه: أنه من علماء الأندلس بالفقه والحديث والمشاركة بالآداب وله الرحلة المشهورة، وقال في نفح الطيب: كان انفصاله من غرناطة بقصد الرحلة المشرقية أول ساعة من يوم الخميس الثامن لشوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، ووصل الإسكندريّة يوم السبت التاسع والعشرين من ذي القعدة من السنة، فكانت إقامته على متن البحر من الأندلس إلى الإسكندرية ثلاثين يوماً، ثلاثين يوماً وهو في البحر، إقامته في البحر، وفي مجيئه من الأندلس إلى الإسكندرية ثلاثين يوماً، لكن رجوعه إلى الأندلس على متن البحر الأبيض المتوسط ذكروا ستة أشهر؛ لأنه كلما قارب الوصول جاءت ريح ردته إلى مبتدئه، وعلينا أن نشكر هذه النعم التي نتقلب فيها.

شيخ كبير جاوز التسعين من عمره صام يوم عرفه في بلده في الرياض، وأفطر مع أولاده، فلما رأى منظر الانصراف من عرفة إلى مزدلفة بكى، فقال له ابنه البار: ما الذي يبكيك؟ قال: يحج الناس وأنا في الرياض؟ قال: اركب، وحج في تلك السنة على السيارة، لا على الطائرة، على السيارة ركب بعد أن أفطر ووصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر، ثم نزل إلى مزدلفة ثم إلى منى وهكذا وحج!

وهؤلاء يمكثون الأشهر الطوال، وكتب التاريخ مملوءة بالعجائب في أخبار الحجاج، وكانت الطرق غير آمنة، قل من يسلم، كثير منهم يعطب، ذكروا في كتب التواريخ العجائب.

ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن رجل أنه حج تسعين مرة حافياً، نعم الحج حافياً ليس بالمشروع، لكن يدل على حرص شديد وذكروا أيضاً من الغرائب أن قدميه كقدمي العروس، مع هذه المدة، وإن كان الخبر ما يسلم من نكارة، ويبقى أن له أصل، .... يحج عشر مرات أو عشرين مرة على قدميه من بغداد كثير.