وذكروا في ترجمة شخص أنه حج ثلاث مرات من بغداد ماشياً، فلما قدم من الحجة الثالثة دخل البيت، فإذا أمه نائمة، فنام بجانبها لم يوقظها فانتبهت فرأته بجانبها فقالت: يا فلان أعطني ماءً فتثاقل كأنه لم يسمع، ثم قالت له الثانية: أعطني ماءاً، ثم لما قامت الثالثة: قام إلى شن معلق وأعطاها شيئاً من الماء، ثم مكث بقية ليلته يحاسب نفسه، أحج ماشياً، والماء أمتار، أحج نفل ماشياً والواجب الذي هو البر، والماء على بضعة أمتار يثقل عليَّ؟!! شك في نيته وإخلاصه، فذهب يسأل، ذهب يسأل، معروف أنه لو سأل أحد من الفقهاء فقال له: عليك أن تخلص وتراجع نفسك وتندم وتستحل والدتك، وحجك صحيح ولا عليك شيء، لكنه سأل شخصاً من أطباء القلوب، ولا يعني أنه فقيه من الفقهاء الكبار أهل الفقه العملي، فقال له: أعد حجة الإسلام، أنت ما حججت لله، وليس معنى هذا أننا نصوب هذه الفتوى لكن نقول: على الإنسان أن يراجع نفسه فيما يأتي وفيما يذر، أن يكون عمله فعلاً وتركاً خالصاً لله -عز وجل- ما الذي يغلب على الظن يذهب إلى مكة ماشياً ثلاث مرات، والماء على بضعة -لا تقل أمتار- بضعة أشبار يمكن؛ لأنه ما كانت بيوتهم كبيرة، ويثقل عليه أن يأتي لأمه بشيء من الماء، مع الأسف أن هذا موجود عند كثير من طلاب العلم، وكثير من الآباء والأمهات يشكون من هذا.
يسهل على الإنسان أن يمر به واحد من زملائه فيذهب به إلى البراري في الشتاء القارس، وأماكن بعيدة ويناله من المشقة والتعب ما يناله، يسهل عليه، ويثلج على قلبه وصدره، ويخف لهذا، ولا يحتاج إلى أن يكرر ضرب المنبه، مستعد، ثم يذهب به الأيام والليالي الطوال، وإذا قالت له الوالدة نريد أن نذهب إلى أختي، يعني خالته، والخالة بمنزلة الأم، والآمرة الأم، قال: والله أنا مشغول، أنا عندي درس، مع أن هذا الكلام بعد صلاة العصر، يقول: أنا عندي درس المغرب، وخالته احتمال أن تكون في نفس الحي، ويثقل عليه جداً، وهذا موجود فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، وعلى الإنسان أن يهتم بهذا الباب.
مكث ابن جبير شهراً كاملاً في البحر، من الأندلس إلى الإسكندرية، ومات -رحمه الله- سنة أربع عشرة وستمائة.