قد يقول قائل: الحديث الذي صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب، ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أول الحديث ثم دخل إلى بيته فبات الناس يدوكون: يعني أخذوا يتوقعون، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يدركوا الجاهلية، وقال بعضهم: لعلهم ولعلهم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم -فأخبرهم عن هؤلاء السبعين أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، وما أنكر عليهم قولهم، ما أنكر عليهم اجتهادهم والتماسهم المراد بالسبعين لماذا؟ لأنهم لم يجزموا بهذا القول، بل أتوا بحرف الترجي، لعلّ كذا، لعلّ كذا، فإذا كان الإنسان يبدي ما لديه من رأي بحرف الترجي لا يلام، لكن إذا كانوا في مجلس لا بد أن لا ينصرفوا ولا يتفرقوا إلا عن بينةٍ من أمرهم، لا بد من الوصول إلى الحقيقة قبل التفرق، ولذا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وهم مجتمعون فأخبرهم بالمراد، وعلى هذا ما ورد من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي أو تفسير الحديث بالرأي لا شك أن مثل هذا فيه سعة، إذا قيل: لعل المراد بالآية كذا، لعل المراد كذا، لكن على أن لا يتفرق الجمع وهذا الأمر ليس متروك لعامة الناس الذين لا يفهمون النصوص، بل في مجتمعات طلاب العلم إذا أبدوا مثل هذا التساؤل مصدراً بحرف الترجي ووصلوا إلى الحقيقة قبل التفرق، وصلوا إلى القول الراجح بسؤال من هو أعلم منهم ممن يثقون بعلمه، أو بالرجوع إلى المصادر الموثوقة، فإذا وصلوا إلى الحق فإن ذلك لا يضيرهم -إن شاء الله تعالى- استدلالاً بحديث السبعين الألف، هؤلاء تماروا في الحوض، بعضهم يقول: لعله كذا، لعله كذا، لعله كذا، كما قال المعتزلة عن الميزان أنه معنوي وليس بحقيقي، أو مجازي وليس بحقيقي، على كل حال مثل هذه الأمور الأصل فيها الحقيقة، وما ضلت طوائف من المسلمين إلا بسبب هذه التآويل التي لا تستند إلى شرع، وتفاسير الباطنية من غلاة الصوفية والإسماعيلية والرافضة كلها من هذا النوع، يحورون الأمور المحسوسة التي جاء ذكرها بالنصوص الشرعية إلى أمور معنوية لا حقيقة لها،