في بقية السورة يقول الله -جل وعلا- بسم الله الرحمن الرحيم:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} هذا الكوثر نعمة، بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، ولأمته ممن اقتدى به -عليه الصلاة والسلام-، ولم يحد عن سنته -صلى الله عليه وسلم-، نعمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولأمته من بعده {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أمر بالصلاة، والصلاة شكر، ولذا لما قيل له -عليه الصلاة والسلام-، وقد قام حتى تفطّرت قدماه، عوتب -عليه الصلاة والسلام- ليخفف عن نفسه؛ لأن الله -جل وعلا- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لما نوقش عن هذا الأمر قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟! )) فدل على أن الصلاة شكر للمنعم على ما أعطاه وأسداه من هذه النعم الجليلة التي منها الحوض {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} هذا أمر، من أهل العلم من يقول: أن المراد بالصلاة هذه، صلاة العيد، بدليل قوله:{وَانْحَرْ} فصل لربك: صلاة العيد، وانحر: نسكك أو أضحيتك، فهذا أمر بالصلاة التي هي صلاة العيد، ونحر الهدي والأضاحي، وصلاة العيد لهذا الأمر أوجبها من أوجبها من أهل العلم كالحنفية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لأنه ثبت الأمر بها في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على صلاة العيد، ولم يذكر عنه أنه تركها وداوم عليها خلفاؤه من بعده -رضوان الله عليهم-، وأمر النساء بالخروج إليها في حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج العواتق والحيّض، وذوات الخدور إلى صلاة العيد، فمثل هذه النصوص ترقى وتقوى على وجوب صلاة العيد، وهذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.