أقول: إذا كان هذا هو السبب، وقبل ذلك شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخفى عن العامة فضلاً عن المتعلمين، وهو خصيصة هذه الأمة، وهو سبب رفعتها، وهو سبب خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(١١٠) سورة آل عمران]، يعني قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدم على الإيمان بالله مع أنه لا يصح أمر ولا نهي إلا بعد الإيمان، قدم لماذا؟ لأنه هو خصيصة هذه الأمة، الأمم السابقة يؤمنون بالله، أعني أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، لكن لماذا فضلنا عليهم؟ لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولذلك قدم على الإيمان بالله الذي يشترك فيه الجميع، فقدمت هذه الخصيصة للاهتمام بشأنها والعناية بها، وإلا فجميع أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، فما لنا مزية عليهم، فإذا تركنا هذه الخصلة ما صرنا خير أمةٍ أخرجت للناس، صرنا مثل الأمم.
روى أبو داود والترمذي عن أبي أمامة الشعباني، قال: سألت أبا ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: قلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [(١٠٥) سورة المائدة] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:((ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام تدعى أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديث جيد. زاد أبو داود في حديثه:(قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين رجلاً منكم)).
إذا نظرنا إلى الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مقرر، شعيرة من شعائر الدين، حتى عده بعضهم من أركان الإسلام، ولا يمكن أن تقوم أمور المسلمين إلا به.