أين أهل الخصومات؟ من رجلين بينهما خصومة في عهدٍ قريب، بينهما خصومة يقول: لا داعي أن نذهب أنا وأنت ونعطل مصالحنا إلى المحكمة، أنت تعرف القضية واشرحها للشيخ، واللي يقول لك هو الحكم. فذهب إلى القاضي وشرح له القضية، وقال: الحق لخصمك وانتهى، قال: الحق لك، شرح له الشيخ وانتهى الإشكال.
وشخص في هذه الأيام لما حكم عليه بقضية، قيل له: إن أردت الاعتراض قدم للتمييز، هذه اللائحة، اكتب ما شئت، فانكب على الماصة يبكي، أنا أعترض على حكم الله، والله -جل وعلا- يقول:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(٦٥) سورة النساء]، أنا أعترض؟ فبكى.
يعني الأمة ما زال فيها خير، لكن الكلام على الكثير الغالب، الكثير الغالب نجد الردود ونجد بعض الكلمات التي لا يحتمل سماعها. نعم، هذه قد تكون طبيعة البشر مجبولين على هذا، لكن ينبغي أن تكون الطبائع مسيسة ومأطورة بأوامر الشرع، ف في الحديث يقول:((وهوىً متبع، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من وراءكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديثٌ حسن، زاد أبو داود في حديثه: قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال:((بل أجر خمسين رجلاً منكم)) يعني من الصحابة.
وفي البخاري عن أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعب الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) وهذا ما يعرف عند أهل العلم بالعزلة.
لكن متى تكون العزلة؟ العزلة تكون راجحة بالنسبة لشخصٍ يخشى على نفسه أن يتأثر، ومع ذلك لا يستطيع أن يؤثر في غيره، مثل هذا يقال له اعتزل، ويكون خير مالك غنم تتبع بها شعب الجبال، لكن مِن عالم يستطيع أن يدافع بعلمه، بحلمه، بحكمته، يستطيع أن يؤثر في الناس، يستطيع أن يدفع بعض الشرور، يدفع بعض الشرور، يخفف، يقلل من بعض الشرور، هذا الخلطة أفضل له.