فالصحبة شرفٌ لا يناله أحد إلا من اتصف به ممن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك، فدع عنك مسألة الصحبة، وأجرها، هذا أمرٌ لا يدركه أحد ممن توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يراه، بعد ذلك الأعمال متفاوتة، نعم، أعمال في وقت أفضل منها نفسها في وقتٍ آخر، تتصدق بألف ريال في وقت الناس فيه ليسو بحاجة ماسة، ليس أجره كمن تصدق بدرهم وقع موقعاً عظيماً في نفس المتصدق عليه، أنقذه من هلكة، تتفاوت، والناس عند فساد الزمان تمسكهم بالدين شأنه عظيم؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم، وأما في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فبعضهم يعين بعضاً يشجع بعضهم بعضاً، ومع ذلكم شرف الصحبة لا يناله أحد ممن لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؛ لأن هذا قد يشكل، مقرر عند أهل العلم أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم.
وروى مسلم والترمذي من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)).
يقول النووي في شرح مسلم:"قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) المراد بالهرج هنا الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد".
صحيح، يعني مر بنا ظروف فيها شدة على بعض بلاد المسلمين وحروب وقتل بالجملة، هذه فتنة، وهرج وقتل، تجد كثير من الناس من المسلمين انشغل بهذه الفتنة، يتابعها ليلاً ونهاراً على سائر الوسائل، المقروءة والمسموعة والمرئية، وشغل بها فكره، وانشغل بها عن عبادة ربه، مَن مِن الناس -حتى من طلاب العلم- يقول رأيت الناس انشغلوا بهذه الأمور فأنصرف إلى قراءة القرآن، أشغل نفسي بدل قراءة الصحف التي ينفق عليها كثيرٌ من الناس وقت طويل أقرأ القرآن بدلها؟ وبدلاً من أن أستمع إلى آلة فيها الأخبار سواءً كانت مسموعة أو مرئية أصلي بقدر الوقت الذي يستمع فيه الناس ويرون، ما ينصرف إلى هذه الأعمال إلا رجل موفق. ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) فلا يتفرغ لها إلا الأفراد.