وقال أحمد بن سلامة النيسابوري الحافظ: كان هناد بن السري -رحمه الله- كثير البكاء، فرغ يوماً من القراءة لنا، يعني يقرئهم الحديث، توضأ فجاء إلى المسجد فصلى إلى الزوال، وأنا معه في المسجد، ثم رجع إلى مسجده فتوضأ وجاء فصلى من الظهر، وأخذ يقرأ في المصحف حتى صلى المغرب، قال فقلت: لبعض جيرانه ما أصبره على العبادة، فقال: هذه عبادته بالنهار منذ سبعين سنة، فكيف لو رأيت عبادته بالليل؟.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى- يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح في كل ثلاثة ليالٍ بختمة. وقال بكر بن منير: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة قال: انظروا أيش آذاني؟ وفي رواية وقد تورم جسده، فقيل له: لما لم تخرج من صلاتك؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.
وكان بقي بن مخلد الإمام الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر، وكان كثير الجهاد فاضلاً.
على كل حال صوم الدهر معروف حكمه عند أهل العلم، وجاء في الحديث الصحيح:((لا صام من صام الأبد)) وجاء أن صيام الدهر مفضول، وأن أفضل الصيام صيام داود، لكن بعض الناس إذا فتح له باب من باب العبادة استرسل فيه ونسي نفسه، ونسي ما جاء فيه من نصوص.
وكان الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي لا يضيع شيء من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن، وربما أقرأ شيئاً من الحديث، ثم يقوم فيتوضأ فيصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين، كما سبق الإشارة إليه إلى قبل الظهر، وينام نومةً، فيصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع -تسميع الحديث- أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنساناً يوقظه فيصلي، ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، فهذا دأبه.