وقال موفق الدين بن قدامة: كان الحافظ عبد الغني جامعاً للعلم والعمل، كان رفيقي في الصبا وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خيرٍ إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، وابن قدامة ذكر في ترجمته من العبادة الشيء الكثير، فما ترك قيام الليل من شبابه إلى أن مات، فإذا رافق ناساً في السفر ناموا وحرسهم يصلي. ومع ذلك ترك هذا الأثر الكبير في العلم، يعني قد يقول قائل: كيف يؤلف المغني وهو يصلي بالليل والنهار؟! ولا يدري أن هذا خيرٌ معين للتأليف والعلم والتعليم. وقال الحافظ الذهبي في السير: كان قدوة صالحاً عباداً قانتاً لله ربانياً، خاشعاً مخلصاً عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر والمروءة والفتوة والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مثله، وكان يكثر الصيام، ويتلو كل ليلة سُبعاً مرتلاً في الصلاة.
وأما ما ذكر عن شيخ الإسلام بن تيمية -نختصر باعتبار أن الوقت قرب- من العلم والعمل فشيء يشبه المستحيل، فمع كثرة مؤلفاته ذكر من عبادته وتهجده وأذكاره وصيامه وجهاده، ويقرر في ذلك أن هذا هو السبب في إعانته على العلم، وكان مع ذلك مجبولاً على الكرم، وما شد على دينار ولا درهمٍ قط، بل كان مهما قدر على شيء من ذلك يجود به كله، وكان لا يرد من يسأله شيئاً يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب، حتى الكتب يعطيها.
وقال ابن رجب في ذيل الطبقات عن الإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه.
وقال ابن القيم في مقدمة مفتاح دار السعادة الذي ألفه بمكة، وكان هذا من بعض التحف التي فتح الله بها عليّ حين انقطاعي إليه عند بيته، وإلقاء نفسي ببابه مستكيناً ذليلاً ... إلى أن قال: فما خاب من أنزل إليه حوائجه وعلق به آماله، وأصبح ببابه مقيماً، وبحماه نزيلاً.