وهكذا يستمر العلماء المحققون على هذا المنهج، وهو الجمع بين العلم والعمل، فمن قرأ سيرة الشيخ محمد الإمام المجدد -رحمه الله- محمد بن عبد الوهاب رأى العجب، فيتعجب من هذه الأعمال الخاصة من صلاة وتلاوة وذكر مع ما قام به من جهاد بالسنان واللسان، وكذلك أبناءه وأحفاده وتلاميذهم إلى عصرنا.
وهذه البلاد أيضاً لها القدح المعلى من هذا النوع من أهل العلم والعمل، فمن أدرك الشيخ عمر بن سليم -رحمه الله- والعبادي والمفدى والخريصي والمطوع -رحمهم الله- جميعاً وأضرابهم وأمثالهم فهؤلاء يضرب بهم المثل في العبادة.
يعني لا يقال: أن هذا شيء غير مقدور عليه، هذا خاص بسلف هذه الأمة، فهناك أمثلة، وهذا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- مضرب المثل في التضحية، حيث بذل جميع وقته للدعوة والتعليم، وقضاء الحاجات، وحدثتنا زوجته أنه في ليلةٍ من الليالي جاء من المستشفى، ولاحظت عليه آثار التعب، فضبطت الساعة بعد عادته في القيام بساعة رأفةً به، فانتبه على العادة، وسألها لمَ لم يشتغل منبه الساعة، فأخبرته فلامها على ذلك، وأخبرته أنها فعلت ذلك من أجل راحته، فقال -رحمه الله-: الراحة في الجنة، وكان معدل نومه لا يزيد في اليوم والليلة لا يزيد على أربع ساعات.
ومن شيوخنا الأحياء الآن الموجودين من يزاول العمل الوظيفي، ويؤدي العمل من أوله إلى آخره بمقدار ست ساعات في اليوم، ومع ذلك يكون لديه الدروس اليومية، وقته معمور، وتجده يحرص على الصلاة على الجنائز، ويتردد على المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والآن خرج من الدوام، فيصلي على الجنازة ويتبعها، والمغرب عنده درس، وفي الليل قيام، فهذا ليس بالمستحيل، لكن الموفق من وفقه الله، فعلى كل حال نقتصر على هذا؛ لأن الوقت يزاحمنا، فالذي يُريَ الله -جل وعلا- من نفسه خيراً يعينه، وأكرر ما ذكرته في البداية أن هذا الموضوع لو أسند لشخص يحكي واقعه في العلم والعمل لكان أنفع؛ لأن القول الكلام الذي ينبع من القلب ويصدقه العمل هو المقبول، أما يسند إلى شخص لم يعرف بشيء من هذا، فهذا لا شك أنه حسن ظن من الإخوان، ولا نقول إلا خيراً، والله أعلم.