ولا يمنع أن يكون أن يضمن له الخلد المشروط، المشروط بألا يعصي، مضمون الخلد بأن لا يعصي، فلما حصل له ما حصل، وكل إنسان لا يدري ما مصيره، لا يدري ما مصيره؛ لكن ركب فيه حرية الاختيار، خلق للجنة أهلاً، وخلق للنار أهلاً، لكن يقول قائل: لماذا أعمل وأنا ما أدري أنا من أهل النار، أنا من أهل الجنة؟ يقول:((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) فأنت طائع مختار، لكن الحرية والاختيار، لكن ليست مستقلة، هي تابعة لاختيار الله -جل وعلا- ومشيئته، وإرادته، خلافاً لما يقوله القدرية النفاة وفي مقابلهم الجبرية، وكيف أخبر الملائكة أنه يريد أن يجعل في الأرض خليفة، ثم يسكنه دار الخلود ودار الخلود لا يدخلها إلا من يخلد فيها كما سميت بدار الخلود، فقد سماها الله بالأسماء التي ذكرنا لها السبعة، تسمية مطلقة لا خصوص فيها فإذا قيل للجنة دار الخلد لم يجز أن ينقص مسمى هذا الاسم بحال فهذا بعض ما احتج به القائلون بهذا المذهب وعلى هذا فإسكان آدم وذريته في هذه الجنة لا ينافي كونهم في دار الابتلاء والامتحان، وحينئذ كانت تلك الوجوه والفوائد التي ذكرتموها ممكنة الحصول، يعني الفوائد التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- تعالى من الحكم العظيمة، والمصالح الكبيرة التي ترتبت على معصية آدم، وعلى أخراجه من الجنة؛ لأن آدم -عليه السلام-، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[سورة طه: ١٢١]، ولا يمكن أن يحتج بالقدر على المعصية، هو احتج بالقدر لما حاجه موسى، وجاء في الحديث الصحيح:((فحج آدم موسى)) لكن هل احتج بالقدر على المعصية، لما تاب منها والتوبة تهدم ما كان قبلها، والتائب توبة نصوحاً تبدل سيئاته حسنات، انمحى أثر السيئة والمعصية، بقي المصيبة التي ترتبت على هذه المعصية.