لو أن إنساناً تساهل في صلاة من الصلوات وفوتها عن وقتها من غير عذر، أثم وعصى وأتى أمراً من عظائم الأمور ثم صارت هذه المعصية سبباً لحادث سيارة مثلاً خسر فيه مبالغ طائلة، تاب من هذه المعصية وأناب إلى الله -جل وعلا- وعزم ألا يعود، ثم قيل له: لماذا حصل هذا الحادث؟ بعض الناس، لا سيما بعض الآباء، يقول للولد: أنت ما تشوف اللي قدامك؟ لماذا حصل هذا الحادث؟ لما كانت المعصية قائمة، لا يجوز أن يقول إن الله -جل وعلا- قدر علي هذه المعصية، جعلني لا أنهض إلى الصلاة حتى خرج وقتها، فالاحتجاج بالقدر على المعاصي هو حجة المشركين، {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا}[سورة الأنعام: ١٤٨]، لكن المصيبة إذا تاب من المعصية، يعني إذا كانت المعصية قائمة، قلنا:{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[سورة الشورى: ٣٠]، احمد ربك اللي ما مت في هذا الحادث، لكن إذا تاب من هذه المعصية استدل واحتج بالقدر هذا أمر كتبه الله عليّ، وقدره عليَّ، هذا حاله، فيبقى المعاصي لا يجوز الاحتجاج بالقدر عليها، وأما بالنسبة للمصائب فإنه يحتج بالقدر عليها كما حصل في قصة آدم، آدم احتج بالقدر، لكن هل احتجاجه بالقدر على أنه أكل من الشجرة وعصى آدم ربه فغوى لا، آدم تاب من هذه المعصية، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وتجب ما كان قبلها، وبقي أثر هذه المعصية التي هي المصيبة، فيحتج بالقدر على وقوع هذه المصيبة.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: فالجواب أن يقال: هذا فيه قولان للناس ونحن نذكر القولين واحتجاج الفريقين ونبين ثبوت الوجوه التي ذكرناها وأمثالها على كلا القولين ونذكر أولاً قول من قال: إنها جنة الخلد التي وعدها الله المتقين وما احتجوا به وما نقضوا به حجج من قال إنها غيرها ثم نتبعها مقالة الآخرين وما احتجوا به وما أجابوا به عن حجج منازعيهم من غير انتصاب لنصرة أحد القولين".
ابن القيم ساق الأدلة الأقوال بأدلتها، وأفاض في ذلك وما رجح، لماذا؟ لأنه لا يريد تقرير هذه المسألة في هذا الموضع، وإنما يقرر الآثار التي رتبت على إهباط آدم والحكم والمصالح العظيمة التي رتبت على إهباطه من الجنة.