"من غير انتصاب لنصرة أحد القولين وإبطال الآخر إذ ليس غرضنا ذلك وإنما الغرض ذكر بعض الحكم والمصالح المقتضية لإخراج آدم من الجنة، وإسكانه في الأرض في دار الابتلاء والامتحان" وبسط القول، وبسط القول في ذلك في حدود عشر ورقات، حدود عشر ورقات من الطبعات القديمة، غير المحققة، يعني لو حققت لجاءت في مجلد لطيف، هذه العشر ورقات، وذكر المسألة مبسوطة في حادي الأرواح في الجزء الأول من الطبعة المحققة في خمس وأربعين صفحة، في خمس وأربعين صفحة، هذا يرجع إليه.
إذا عرفنا هذا وأن قول عامة أهل السنة أن الجنة التي أسكنها آدم هي دار الخلد، وهي التي أهبط منها، بسبب معصيته، فيترتب على هذا مع ما تظافر بذلك من النصوص، نصوص الكتاب والسنة أن الجنة وهي المسألة الثانية، المسألة موجودة الآن، مخلوقة من أول الأمر.
يقول ابن القيم -رحمه الله- تعالى في حادي الأرواح:
الباب الأول: في بيان وجود الجنة الآن؛ لأن الخلاف مع الجهمية والمعتزلة في هذه المسألة من قولهم: أن خلق الجنة قبل مصير أهلها إليها ضرب من العبث، يعني تجلس الجنة آلاف السنين، ونعيمها موجود، رآه النبي، رأى شيئاً منه -عليه الصلاة والسلام- في ليلة الإسراء، يقولون: قبل الاحتياج إليها هذا ضرب من العبث، ولو أن شخصاً بنا قصرا ًمنيفاً وشيده وخسر عليه الأموال الطائلة في بلد ما؛ لأنه ينوي الانتقال إلى هذا البلد بعد التقاعد مثلاً، وهو الآن عين، يعني بعد أربعين سنة إذا تقاعد يبي ينتقل إلى هذا القصر، لعد هذا ضرب من إيش؟ من العبث، بل حكم عليه بالجنون، هذه حجة المعتزلة، والله -جل وعلا- لا يسأل عما يفعل، له الحكمة البالغة، وله المشيئة النافذة.