في النصوص جاء قوله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(٤٠) سورة الشورى] الجناية سيئة بلا شك، لكن معاقبة الجاني سيئة؟ ليست بسيئة، {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [(٦٧) سورة التوبة] كل هذا من أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير، فهو ثابت في نصوص الكتاب والسنة، هل في أحد قال: ابتدعت يا عمر ليقول: نعمت البدعة على شأن نقول: مشاكلة؟ أهل البلاغة في علم البديع يقولون:"المشاكلة اتحاد اللفظ مع اختلاف المعنى حقيقةً كان أو تقديراً" يعني كأن عمر -رضي الله عنه- خشي أن يقال له: ابتدعت يا عمر، فقال:"نعمت البدعة" إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، وهذا تقدير، وليس في هذا مستمسك لمن يقسم البدع إلى بدع مستحسنة وبدع مذمومة؛ لأن النص الصحيح الصريح ((كل بدعة ضلالة)) وإن قال بعض أهل العلم به، استناداً إلى هذا الخبر، ومنهم من قسم البدع إلى الأحكام التكليفية الخمسة بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، فجعلوا من البدع الواجبة الرد على المخالفين؛ لكن هل الرد على المخالفين ابتداع في الدين؟
القرآن مملوء بالرد على المخالفين فليس ببدعة، وجعلوا من البدع المستحبة بناء الأربطة والمدارس، بدع مستحبة؛ لكن القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب)(الوسائل لها أحكام الغايات) هذه وسائل للتحصيل، إذاً حكمها حكم التحصيل، فليست ببدعة تشملها القواعد الشرعية.
البدع المباحة جعلوا منها التوسع في أنواع وألوان الطعام والشراب والمركوب والمسكون، هذه ليست من أمور الدين ليشملها الابتداع، والابتداع إنما يكون في الدين، وأما البدع المكروهة والمحرمة فأمثلتها كثيرة.
فليس في البدع ما يمدح، بل كل بدعة ضلالة، والشاطبي في الاعتصام رد هذا القول وقال:"إنه قول مخترع مبتدع" قوض دعائمه بأقوى عبارة وأجود أسلوب -رحمه الله-.