يقول ابن القيم: ولا تنافي بين هذا وبين قوله {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} وقد اختلف السلف في هذا الاستثناء، فقال معمر عن الضحاك: هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه: أنهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات والأرض إلا مدة مكثهم في النار، إلا مدة مكثهم في النار؛ لأن الاستثناء من الشيء قد يكون من آخره، وقد يكون من أوله، وقد يكون من أثناءه، قال: قلت: ويحتمل ويحتمل، وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون الإخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين وهم هؤلاء، الذين دخلوا النار، وحصل الاستثناء لهذه المدة التي هي مدة بقائهم في النار {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} يعني من هذ المدة، وإلا فالأصل أنهم منذ أن انتهوا من الدنيا، ومن البرزخ، يدخلون الجنة إلى أبد الآباد، {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هذه المدة التي مكثوا فيها في النار.
يقول: وهذا يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الإخبار عن الذين سعدوا عن قوم، وقع عن قوم مخصوصين وهم هؤلاء.
والثاني -وهو الأظهر- أن يكون وقع عن جملة السعداء، عن الجميع، والتخصيص بالمذكورين هو في الاستثناء وما دل عليه، يعني لا يكون في الأفراد في الأشخاص إنما يكون في المجموع، لا في الجميع، الاستثناء إنما يكون في الجميع من الذين سعدوا، مجموعهم لا في جميعهم ولا في أفرادهم.
قال: وأحسن من هذا، أو وأحسن من هذين التقديرين أن تُرد المشيئة إلى الجميع حيث لم يكونوا في الجنة في الموقف، يعني ما دخلوا الجنة بمجرد قيامهم من قبورهم، لبثوا مدة في الموقف، فالاستثناء حاصل أو متجه إلى هذه المدة، لم يكونوا في الجنة في الموقف، وعلى هذا فلا يبقى في الآية تخصيص وقالت فرقة أخرى: هو استثناء استثناه الرب -جل وعلا-، ولا يفعله كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه بل تجزم بضربه.