وقالت فرقة أخرى: هذا الاستثناء إنما هو مدة احتباسهم، إنما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت والبعث وهو البرزخ، وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة، ثم هو خلود الأبدي فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ، وهذا يجرنا إلى كلام هو عن الدور، هل الدور ثلاث، أم داران فقط، الدنيا والآخرة، أو الدنيا والبرزخ والآخرة؟.
في الطحاوية وشرحها قرر أن الدور ثلاثة، دنيا، وبرزخ، بينهما حاجز لا من هذا ولا من هذا وآخرة، وفي القاموس يقول: "الدنيا نقيض الآخرة، ومقتضى كون الدنيا نقيضاً للآخرة أنه ليس إلا داران فقط؛ لأن النقيضين لا يمكن أن يرتفعا، وإذا قلنا أن البرزخ غير الدنيا والآخرة يمكن أن يرتفع الوصف بالدنيا والآخرة ويبقى مدة البرزخ وفترة البرزخ.
وقالت فرقة أخرى: الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا، يعني الأصل أن هؤلاء خلقوا للجنة، هؤلاء خلقوا للجنة، وهؤلاء خلقوا للنار، فالأصل أنهم من خلقهم يؤولون إلى ما خلقوا له، وهو الجنة، أو الطائفة الأخرى يؤولون إلى ما خلقوا له وهي النار نسأل الله السلامة والعافية، فلبثهم في الدنيا هو الذي وقع له، أو وقع عليه الاستثناء {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ}.
وهذه الأقوال يقول ابن القيم: وهذه الأقوال متقاربة ويمكن الجمع بينها بأن يقال: أخبر سبحانه عن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتاً يشاء الله -جل وعلا- ألا يكونوا فيها، وذلك يتناول، وذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي موقف القيامة، وعلى الصراط، وكون بعضهم في النار مدة، وعلى كل تقدير فهذه الآية من المتشابه، فهذه الآية من المتشابه، إلا ما شاء الله.
والمتشابه يجب رده إلى المحكم، والذي يتتبع المتشابه هو الذي بقلبه زيغ نسأل الله السلامة والعافية، الذي يترك المحكم الذي لا يحتمل، ويذهب إلى المتشابه ليلبس به على غيره هذا هو الذي في قلبه: زيغ، إذا رأيتم الذين يتتبعون المتشابه فهم الذين ذكر الله فيهم من الزيغ فاحذروهم كما تقول عائشة.