وعلى كل تقدير فهذه الآية من المتشابه، وقوله تعالى فيها:{عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[سورة هود: ١٠٨]، محكم، وكذلك قوله:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ}[سورة ص: ٥٤]، وقوله:{أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا}[سورة الرعد: ٣٥]، وقوله:{وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}[سورة الحجر: ٤٨]، وقد أكد الله سبحانه خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[سورة الدخان: ٥٦]، وهذا استثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله: إلا ما شاء الله، {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} تبين لك المراد من الآيتين واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدم على خلودهم فيها، وبالله التوفيق.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت)) وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ينادي مناد يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً)) خرّجه الإمام مسلم.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخد ري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:((يجاء بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون مشفقين، خائفين وجلين، يطلعون مشفقين؛ -لأنهم في نعيم تام، وسعادة يخشون أن يحصل ما ينغص هذه السعادة وهذا النعيم، فيطلعون مشفقين -، ويقال: يا أهل النار، فيطلعون فرحين؛ لأنه احتمال أن يكون عاقبة هذا النداء التخفيف عنهم، فيطلعون فرحين فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)).