ذكرنا بالأمس أن ابن عباس لما قال له كريب مولاه إننا صمنا مع معاوية والناس يوم الجمعة، رأينا الهلال ليلة الجمعة، قال ابن عباس: لكننا لم نره إلا ليلة السبت، وما صمنا إلا في يوم السبت، فلا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلنا: إن الاحتمال قائم في مراد ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل هو الأمر العام الذي يتمسك به جميع أهل العلم أن الصيام مرتب على الرؤية وحينئذٍ لا يكون فيه مستمسك لمن يقول باختلاف المطالع؟ وأنه إذا رؤي الهلال في أقصى المشرق لزم الناس كلهم الصوم وإن كانوا في أقصى المغرب، وكذلك في الشمال والجنوب، فيكون مستند ابن عباس في قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني بقوله:((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وحينئذٍ لا يكون فيه دليل على تخصيص المطالع بجهتها، وإنما يكون فيه خطاب للأمة بكاملها، ويحتمل أن يكون ابن عباس -رضي الله عنهما- عنده دليل خاص، استند عليه في اعتماده على اختلاف مطلع أهل الشام عن مطلع أهل المدينة، ولكنه لم يبده، بل قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني بما يطابق الواقع الذي حصل، الذي حصل من صوم معاوية والناس يوم الجمعة، وأهل المدينة ما صاموا إلا يوم السبت، وفي المسألة بين أهل العلم في قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف يعد المخالف فيه شاذ، منهم من قال: عموم أهل العلم، عامة أهل العلم يرون أن الصحابي إذا قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا الأمر ملزم، هذا الأمر ملزم للأمة، كأنه قال: أفعلوا.
وداود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: إنه لا يحتج بقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر، أو يسمع كلام يظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي.