الحديث الذي نتحدث عنه عبارة عن متون وأسانيد وفقه واستنباط من هذه المتون؛ فالأسانيد وسيلة لإثبات هذه المتون، والغاية العظمى هو الاستنباط الذي على ضوءه يكون العمل، فإذا قرأنا في هذه الشروح ورأينا كيف استنبط أهل العلم من هذه الأحاديث، الأذهان تتفتق ويكون لديها الاستعداد للاستنباط والمزيد منه؛ لأن طالب العلم ليس مثل الآلة، هذه الآلات لا تزيد ولا تنقص خزن فيها تجد لا أكثر ولا أقل، لكن طالب العلم وهبه الله -جل وعلا- هذا العقل الذي به يستطيع النظر والموازنة فينظر فيما قاله، يرجع إذا قلنا يقرأ في فتح الباري ووجد صاحب الفتح ينتقد الكرماني يُدون هذا النقد على شرح الكرماني الذي سبق أن قرأه.
ثم بعد ذلك أريد أن ننبه إلى أن كل شرح من الشروح له مزيته وله خصيصته.
فشرح الخطابي الذي هو أقدم الشروح واسمه "أعلام الحديث" أو "أعلام السنن" لا شك أن مؤلفه إمام، وفتح المجال لغيره واعتمدوا عليه، لكن فيه قصور وعواز شديد.
شرح الكرماني فيه مثل ذلك من القصور ما يسدد من الكتب التي جاءت بعده لكنه -قلنا إنه- يفتح الشهية، وفيه فوائد ولطائف وطرائف، وفيه أوهام.
إذا قرأ في شرح النووي، ثم فتح الباري استفاد الفائدة العظمى، ثم بعد ذلك هناك كتب لا يستغنى عنها، فإذا كانت خصيصة فتح الباري تكمن في إحاطة الحافظ ابن حجر في الأحاديث التي يشرحها بجميع أطرافها فإن لغيره من المزايا ما لا يوجد فيه.
شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- شرح فيه نفس السلف، شرح معتمد اعتماد كلي على أقوال السلف، وهو أيضاً مجرد من أقوال الخلف وتعقيداتهم.
العيني: يفيد طالب العلم في الناحية اللغوية والناحية الفقهية؛ لأنه يطيل أيما إطالة في المسائل اللغوية، ويطيل أيضاً في الفقه والاستنباط إلا أنه فقيه حنفي، قد يكون مدلول على خلاف ما يريد وخلاف ما يقرر، فعلى هذا يستفاد منه أصل المسألة، وأما تقرير الحكم فالحَكَم هو النص.