جاءت الروايات المختلفة في إهلاله -عليه الصلاة والسلام-، وبأي الأنساك أهل؟ فجاء عنه أنه أهل مفرداً، وصح عنه أنه تمتع، يقول الصحابي: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه، والقول المرجح الصحيح من خلال الروايات المفصلة المفسرة أنه حج قارناً، وأنه لم يتمتع؛ لأنه ساق الهدي، ولم يفرد؛ لأنه لبى بهما جميعاً، فكيف يجاب عن رواية التمتع؟ وعن رواية الإفراد؟ من قال: حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قارناً هذا هو الأصل، وهو الذي استقر عليه أمره -عليه الصلاة والسلام-، وهو ما فعله على الحقيقة، ومن قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد نظر إلى المعنى الأعم للتمتع، إن التمتع فيه الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، هذه حقيقة التمتع، ومعناه الأعم يشمل التمتع الاصطلاحي، ويشمل القران؛ لأن من قرن بين النسكين في سفرة واحدة ترفه بترك أحد السفرين، فهو متمتع من هذه الحيثية، ومن قال: تمتع هذا مراده، لا أنه فصل بين الحج والعمرة كما يفعل المتمتع تمتعاً اصطلاحياً، على ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- صحابته، ومن قال: أنه حج مفرداً فمراده أن أعماله -وقد حج قارناً- لا تختلف عن أعمال المفرد، الآن لو حج زيد وعمرو معاً خرجوا من الرياض، ووصلوا إلى المحرم، ثم لبى زيد بالإفراد وعمرو بالقران، ثم ذهبا جميعاً -إن شاءا- إلى البيت، وطافا للقدوم، وسعيا بعده، أو مباشرة ذهبا إلى عرفة، واحد مفرد وواحد قارن، ثم بعد ذلك ينزلون مزدلفة، ثم منى، ثم يرمون، ثم يفيضون يطوفون ويسعون ولا فرق بين عملها البتة إلا في الهدي، فمن قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج مفرداً، رأى أن أعماله كأعمال المفرد، سواء بسواء، القارن لا يختلف عن المفرد إلا في الهدي، إلا عند الحنفية الذين يلزمونه بهديين، وإلا على قول الجمهور لا فرق بين عمل القارن وعمل المفرد، فكما أن القارن إذا أراد أن يطوف للقدوم وهو سنة، ثم يسعى بعده سعي الحج، ثم بعد ذلك يطلع إلى منى وعرفات، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم ينزل لطواف الإفاضة للرمي وطواف الإفاضة وأعمال يوم العيد، والمفرد مثله سواء بسواء.