للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمَلائِكَةِ الذين كانوا في الأرض، والملائكة: الرسل، واحدها ملك، وأصله: مالك، وجمعه: ملائكة، وهي من الملكة والمالكة والألوك الرسالة ويقال: ألكني الى فلان، أي كن رسولي إليه فقلبت، فقيل: ملاك. قال الشاعر:

فلست لإنسي لكن لملاك ... تنزّل من جوّ السماء يصوب «١»

ثمّ حذف الهمزة للخفّة وكثير استعماله فقيل: ملك.

قال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات علمه.

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي بدلا منكم ورافعكم إليّ، سمّي (خليفة) لأنه يخلف الذاهب ويجيء بعده، فالخليفة من يتولى إمضاء الأمر عن الآمر، وقرأ [زيد بن علي] «٢» :

(خليقة) بالقاف.

قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجنّ الأرض، فعبدوا دهرا طويلا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن، رأسهم عدو الله إبليس وهم خزّان الجنان اشتق لهم اسم من الجنّة فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجنّ عن وجهها فالحقوهم بشعوب الجبال، وجزائر البحر، وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة، وأحبّوا البقاء في الأرض لذلك، وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنان، فكان يعبد الله تارة في الأرض، وتارة في السماء، وتارة في الجنة.

فلما رأى ذلك دخله الكبر والعجب، وقال في نفسه: أعطاني الله هذا الملك إلّا لأني أكرم الملائكة عليه، وأعظمهم منزلة لديه فلما ظهر الكبر جاء العزل، فقال الله له ولجنده:

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فلما قال لهم ذلك كرهوا لأنّهم كانوا أهون في الملائكة عبادة، ولأنّ العزل شديد.

قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي. وَيَسْفِكُ يصبّ الدِّماءَ بغير حق.

فإن قيل: كيف علموا ذلك وهو غيب؟

والجواب عنه ما قال السّدي: لما قال الله لهم ذلك، قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟

قال: تكون له ذرية، يفسدون في الأرض [ويتحاسدون] «٣» ويقتل بعضهم بعضا «٤» . قالوا عند ذلك: أَتَجْعَلُ فِيها ومعناه: فقالوا، فحذف فاء التنسيق. كقول الشاعر:


(١) الصحاح: ١/ ١٦٥. [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣.
(٣) كذا في المخطوط.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>