قال الفرّاء: يقال لكل من أحدث دينا: قد صبأ وأصبأ بمعنى واحد، وأصله الميل، وأنشد:
إذا أصبأت هوادي الخيل عنّا ... حسبت بنحرها شرق البعير
واختلفوا في الصّابئين من هم:
قال عمر: هم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب، وبه قال السدي.
وقال ابن عباس: لا تحل ذبائحهم ولا مناكحة نسائهم.
وقال مجاهد: هم قبيلة نحو الشّام بين اليهود والمجوس لا دين لهم «١» .
وقال السدي: هم طائفة من أهل الكتاب، وهو رأي أبي حنيفة.
وقال قتادة ومقاتل: هم قوم يقرّون بالله عزّ وجلّ، ويعبدون الملائكة، ويقرءون الزبور ويصلّون إلى الكعبة، أخذوا من كل دين شيئا.
الكلبي: هم قوم بين اليهود والنصارى، يحلقون أوساط رؤوسهم ويحبّون ذاكرهم.
عبد العزيز بن يحيى: درجوا وانقرضوا فلا عين ولا أثر.
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اختلفوا في حكم الآية ومعناها، ولهم فيها طريقان:
أحدهما: إنّه أراد بقوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا على التحقيق وعقد التصديق، ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين من هم؟ فقال قوم: هم الذين آمنوا بعيسى ثم لم يتهوّدوا ولم يتنصّروا ولم يصبئوا، وانتظروا خروج محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال آخرون: هم طلّاب الدين، منهم: حبيب النجّار، وقيس بن ساعدة، وزيد بن عمرو ابن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء السّندي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ويحيى الراهب، ووفد النجاشي. آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل مبعثه، فمنهم من أدركه وتابعه، ومنهم من لم يدركه.
وقيل: هم مؤمنو الأمم الماضية.
وقيل: المؤمنون من هذا الأمة.
وَالَّذِينَ هادُوا يعني الذين كانوا على دين موسى عليه السّلام ولم يبدّلوا ولم يغيّروا.
وَالنَّصارى: الذين كانوا على دين عيسى عليه السّلام ولم يبدّلوا وماتوا على ذلك.
قالوا: وهذان اسمان لزماهم زمن موسى وعيسى (عليهما السلام) ، حيث كانوا على الحق
(١) الدر المنثور: ١/ ٧٥.