للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسوّها أي ثبوتها، جرى يجري جريا ومجرى، ورسا يرسو رسوّا ومرسى، مثل ذهب مذهبا وضرب مضربا. قال امرؤ القيس:

تجاوزت أحراسا وأهوال معشر ... عليّ حرام لو يسرّون مقتلي «١»

أي: قتلي.

وقرأ الباقون بضم الميمين، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، ومعناه: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، كقوله تعالى أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وأَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ بمعنى الإنزال والإدخال والإخراج.

إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن يرسو قال: بِسْمِ اللَّهِ، فرست، وإذا أراد أن تجري قال: بِسْمِ اللَّهِ، فجرت.

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان وكان عنيدا وقيل وكان كافرا.

وَكانَ فِي مَعْزِلٍ عنه لم يركب معه الفلك.

يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ فتهلك، قال له ابنه: سَآوِي سأصير وأرجع إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي يمنعني مِنَ الْماءِ ومنه عصام القربة الذي [يربط] رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها.

قالَ نوح لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عذاب الله إلّا من رحمناه، وأنقذناه منه، ومن في محل رفع، وقيل: في محل النصب ومعناه لا معصوم اليوم من أمر الله إلّا من رحمه الله، كقوله تعالى عِيشَةٍ راضِيَةٍ وماءٍ دافِقٍ قال الشاعر:

بطيء القيام رخيم الكلام ... أمسى فؤادي به فاتنا

أي مفتونا.

وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ فصار مِنَ الْمُغْرَقِينَ وَقِيلَ بعد ما تناهى أمر الطوفان يا أَرْضُ ابْلَعِي أي اشربي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي امسكي وَغِيضَ الْماءُ فذهب ونقص ومصدره الغيض والغيوض.

وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي وفرغ من العذاب وَاسْتَوَتْ يعني السفينة استقرّت ورست وحلّت عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل، قال مجاهد: تشامخت الجبال وتطاولت لئلّا ينالها الماء فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعا وتواضع الجودي وتطامن لأمر ربّه فلم يغرق، فأرسيت السفينة عليه.


(١) إعجاز القرآن للباقلاني: ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>