للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنذرين ما لي أراك بين الخاطئين؟، ثمّ قال له جبرئيل: يا طاهر الطاهرين، يقرأ عليك السلام ربّ العالمين ويقول: مالك؟ أما استحييت منّي إذ استغثت بالآدميين؟، فو عزّتي لألبثنّك فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، قال يوسف: وهو في ذلك عليّ راض؟ قال: نعم، قال إذا لا أبالي.

وقال كعب: قال جبرئيل ليوسف: إنّ الله تعالى يقول: من خلقك؟ قال: الله، قال: فمن حبّبك إلى أبيك؟ قال: الله، قال فمن أنيسك في البئر إذ دخلته عريان؟ قال: الله، قال: فمن نجّاك من كرب البئر؟ قال: الله، قال: فمن علّمك تأويل الرؤيا؟ قال: الله، قال فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟

فلمّا انقضت سبع سنين، قال الكلبي- وهذه السبعة سوى الخمسة التي كانت قبل ذلك- ولمّا دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هائلة وذلك أنّه رأى، إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف أيّ مهازيل فابتلعت العجاف السمان، أكلنهنّ حتى أتين عليهنّ فلم ير منهنّ شيئا، وأرى سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ قد انعقد حبّها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأفركت والتفّت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فجمع السحرة والكهنة والحازة والقافة وقصّها عليهم وقال: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أي الأشراف أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ فاعبروها، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ تفسّرون، والرؤيا: الحلم وجمعها رؤي.

قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي أحلام مختلطة مشتبهة، أهاويل بأباطيل، واحدها ضغث، وأصله الحزمة من الزرع والحشيش، قال الله تعالى وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً قال ابن مقبل:

خود كأنّ فراشها وضعت ... أضغاث ريحان غداه شمال

وقال آخر:

بحمى ذمار حين قلّ مانعه ... طاو كضغث الخلا في البطن مكتمن «١»

والأحلام جمع الحلم وهو الرؤيا والفعل منه حلمت وأحلم، بفتح العين في الماضي، وحلمتها في الغابرة لها وحلما فعاد فحذف يا من حالم.

وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ، وَقالَ الَّذِي نَجا من القتل، منهما: من الفتيين وهو الساقي، وَادَّكَرَ: أي وتذكر حاجة يوسف قوله: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، ... بَعْدَ أُمَّةٍ:

بعد حين، قراء ابن عباس وعكرمة والضحّاك [بعد أمة] أي بعد نسيان ويقال أمة، يأمه، أمها، إذا نسي، ورجل [ما هو] أي ذاهب العقل.

وأنشد أبو عبيدة:


(١) جامع البيان للطبري: ١٢/ ٢٩٥، وفيه:
يعمي ذمار جنين قال مانعه ... طاو كضغث الخلا في البطن مكتمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>