للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمهت وكنت لا أنسى حديثا ... كذاك الدّهر يودي بالعقول «١»

وقرأ مجاهد: أَمْه، بسكون الميم وفتح الألف وهاء لخالصة، وهو مثل الأمه أيضا وهما لغتان ومعناهما النسيان، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ: أخبركم بتفسيره وما ترون فَأَرْسِلُونِ:

فأطلقوني، وأذنوا لي أمضي وآتيكم بتأويله وفي الآية اختصار تقديرها فأرسلون، فأتي السجن، قال ابن عباس لم يكن السجن في المدينة فقال يُوسُفُ يعني يا يوسف، أَيُّهَا الصِّدِّيقُ:

فيما عبّرت لنا من الرؤيا والصدّيق الكثير الصديق ولذلك سمّي أبو بكر صدّيقا، وفعّيل للمبالغة والكثرة مثل الفسّيق والضليل والشريب والخمير ونحوها.

أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ: الآية فإنّ الملك رأى هذه الرؤيا.

لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ أهل مصر، لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، تأويلها، وقيل: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فضلك وعلمك، فقال لهم يوسف معلّما ومعبّرا: أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبات، والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات السنون المهولة المجدبة، وذلك قوله تعالى: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي كعادتكم، وقال: بعضهم أراد بجدّ وو اجتهاد وقرأ بعضهم دَأَباً بفتح الهمزة وهما لغتان، يقال دبت في الأمر أدأب دأبا ودأبا إذا اجتهد، قال الفرّاء: وكذلك كلّ حرف فتح أوّله وسكن ثانية فتثقيله جائز إذ كان ثانيه همزة أو عينا أو حاء أو خاء أو هاء.

فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ في [بذره] إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ وإنّما أشار عليهم بذلك بذلك ليبقى ولا يفسد، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يعني سبع سنين جدد بالقحط يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ يعني يؤكل، فيهنّ ما أعددتم لهنّ من الطعام في السنين الخصبة، وهذا كقول القائل:

نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم «٢»

والنهار لا يسهو والليل لا ينام، وإنّما يسهى في النهار وينام في الليل. إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أي: تخزنون وخزنون وتدّخرون.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ وهذا خبر من يوسف (عليه السلام) عمّا لم يكن في رؤيا الملك، ولكنّه من علم الغيب الذي آتاه الله عزّ وجلّ، كما قال قتادة: زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، فقال: ثُمَّ يَأْتِي (مِنْ) بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ أي يمطرون بالغيث وهو المطر، وقيل: يغاثون، من قول العرب استغثت بفلان وأغاثني، وَفِيهِ يَعْصِرُونَ قرأ أهل الكوفة إلّا


(١) لسان العرب: ١٣/ ٤٧١. [.....]
(٢) البداية والنهاية: ٩/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>