للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حتى أتاه الرسول فقال ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ، ولو كنت مكانه ولبث في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة ولبادرتهم الباب، وما ابتغيت الغفران كان حليما ذا أناة» [١٢٠] «١» .

قالَ ما خَطْبُكُنَّ: الآية، في الكلام متروك قد استغني عنه (يدلّ) الكلام عليه، وهو:

فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالة، فدعا الملك النسوة اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وامرأة العزيز فقال لهنّ: ما خَطْبُكُنَّ: ما شأنكنّ وأمركنّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ، فأحببنه ف قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ معاذ الله، ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي ظهر وتبيّن والأصل فيه: حصّ وقيل: حصّص، كما قيل: كبكبوا في كبوا، وكفكف في كفّ، وردد في ردّ، وأصل الحص استئصال الشيء، يقال حصّ شعره إذا استأصله جزّا، وقال أبو قيس ابن الأصلت:

قد حصّت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع «٢»

وتعني ب الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ: ذهب الباطل والكذب وانقطع وتين الحق فظهر وبهر أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فتنته عن نفسه، وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ في قوله: هِيَ راوَدَتْنِي.

فلمّا سمع ذلِكَ يوسف، قال: ليعلم ذلك الذي [مضى] من ردّي رسول الملك في شأن النسوة لِيَعْلَمَ العزيز.

أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ في زوجته بِالْغَيْبِ في حال غيبتي عنه وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ واتّصل قول يوسف: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ بقول المرأة: أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ من غير تبيين، وفرّق بينهما لمعرفة السامعين معناه، كاتّصال قول الله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «٣» بقول بلقيس: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وكذلك قول فرعون لأصحابه: فَماذا تَأْمُرُونَ وهو متّصل بقول الملأ: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ «٤» .

روى أبو عبيدة عن الفراء أنّه قال هذا من أغمض ما يأتي في الكلام أنّه حكى عن رجل شيئا ثمّ يقول في شيء آخر من قول رجل آخر لم يجر له ذكر.

وحدّثنا الحسين بن محمد بن الجهمين، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن علي قال: حدّثنا علي بن الحسين بن مجلز، قال الحسن بن علي البغدادي، خلف بن تيم عن عطاء بن مسلم عن


(١) تفسير مجمع البيان: ٥/ ٤١٣، بتمامه، جامع البيان للطبري: ١٢/ ٣٠٧، بتفاوت يسير.
(٢) الصحاح: ٣/ ١٠٣٢.
(٣) سورة النمل: ٣٤.
(٤) سورة الشعراء: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>