للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخفاف عن جعفر بن نوقان عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عمر أنّ علي بن أبي طالب أتى عثمان وهو محصور فأرسل إليه بالسلام وقال إنّي قد جئت لأنصرك فأرسل إليه بالسلام وقال:

جزاك الله خيرا، لا حاجة في قتال القوم، فأخذ عليّ عمامته عن رأسه، فنزعها فألقاها في الدار ثمّ ولّى وهو يقول ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ.

قال أهل التفسير: لما قال يوسف هذه المقالة قال له جبرئيل: ولا حين هممت بها؟ فقال عند ذلك يوسف وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الخطأ والزلل فاركبها، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ بالمعصية إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي يعني إلّا من رحمه ربي فعصم، وما بمعنى من كقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «١» أي من طاب، وقوله إلّا استثناء منقطع عمّا قبله كقوله تعالى: وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا «٢» يعني إلّا أن يرحموا، فإنّ إذا كانت في معنى المصدر تضارع ما.

إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ، فلمّا تبيّن للملك [حق] يوسف وعرف أمانته وعلمه، قال:

ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أجعله خالصا لي دون غيره، فلمّا جاء الرسول يوسف قال له:

أجب الملك، الآن، فخرج يوسف ودعا لأهل السجن بدعوة تعرف إلى اليوم وذلك أنّه قال:

اللهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار وأنعم عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في كلّ بلدة، فلمّا خرج من السجن كتب على باب السجن: (هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وحرقة الأصدقاء وشماتة الأعداء) ، ثمّ اغتسل يوسف (عليه السلام) وتنظّف من قذر السجن، ولبس ثيابا جددا حسانا، وقصد الملك.

قال وهب: فلمّا وقف بباب الملك قال (عليه السلام) : حسبي ربي من دنياي، وحسبي ربّي من خلقه، عزّ جاره، وجلّ ثناؤه ولا إله غيره.

ثمّ دخل الدار، فلمّا دخل على الملك قال: اللهمّ إنّي أسألك عزّك من خيره، وأعوذ بك من شرّه وشرّ غيره، فلمّا نظر إليه الملك سلّم عليه يوسف بالعربية، فقال له: الملك، ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمّي إسماعيل، ثمّ دعا له بالعبرانية، فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال:

لسان آبائي.

قال وهب: وكان الملك يتكلّم بسبعين لسانا، فكلّما كلّم يوسف بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان، فأجابه الملك، فأعجب الملك ما رأى منه، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلمّا رأى الملك حداثة سنة، قال لمن عنده: إنّ هذا علم تأويل رؤياي ولم يعلمه السحرة والكهنة،


(١) سورة النساء: ٣.
(٢) سورة يس: ٤٣- ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>