للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ» [١٥١] «١» فقالوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال: قُلْ لهم يا محمد: إنّ الرحمن الذي أنكرتم معرفته هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ

ومضى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً الآية نزلت في نفر من مشركي مكة فيهم أبو جهل ابن هشام وعبد الله بن أبي أمية المخزومي جلسوا خلف الكعبة فأرسلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فقال له عبد الله بن أبي أمية: إن تشرك نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تفتح. فإنها ضيّقة، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا حتى نغرس ونزرع فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال يسبح لربه، أو سخّر لنا الريح فنركبها إلى الشام فنقضي عليه أمورنا وحوائجنا ثم نرجع من يومنا.

فقد كان سليمان سخرت له الريح، فكما حملت لنا فلست بأهون على ربك من سليمان في داود.

وأحيي لنا جدك أيضا ومن شئت من موتانا لنسأله أحق ما يقول أم باطل؟ فإنّ عيسى قد كان يحيي الموتى ولست بأهون على الله منه، فأنزل الله تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وأذهبت عن وجه الأرض أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أي شققت فجعلت أنهارا وعيونا.

أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى واختلفوا في جواب لو، فقال قوم: هذا من النزول المحذوف الجواب اقتضى بمعرفة سامعه مراده وتقدير الآية لكان هذا القرآن.

كقول امرئ القيس:

فلو أنها نفس تموت بتوبة ... ولكنها نفس بقطع النفسا

يعني لهان عليّ، وهي آخر بيت في القصيدة.

وقال آخر:

فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مرفعا «٢»

فأراد أرددناه، وهذا معنى قول قتادة. لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.

وقال آخرون: جواب لو يقدم وتقدير الكلام وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ ... وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية كأنه قال وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى لكفروا بالرحمن وبما آمنوا.

ثم قال: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا.


(١) تفسير القرطبي: ٩/ ٣١٨، أسباب النزول الآيات: ١٨٤. [.....]
(٢) لسان العرب: ٣/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>