للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا من كفرهم وأعمالهم الخبيثة قارِعَةٌ داهية ومصيبة وشديدة تقرعهم من أنواع البلاء والعذاب أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقتل وأحيانا بالأسر.

وقال ابن عباس: أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثهم إليها أَوْ تَحُلُّ أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ.

وقال قتادة: هي تاء التأنيث يعني وتحل القارعة قريبا من دارهم حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ الفتح والنصر وظهور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودينه، وقيل يعني القيامة إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أصلهم واطلب لهم ومنه الملاوة والملوان ويقال طبت حينا، ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ عاقبتهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِ. أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أي حافظها ورازقها وعالم بها ومجاز بها ما عملت، وجوابه محذوف تقديره: كمن هو هالك بائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئا ولا يدفع «١» عن نفسه، نظيره قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ يعني كمن ليس بقانت وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ بيّنوا أسماءهم ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ يعني يخبرون الله بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ فإنه لم يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره أَمْ بِظاهِرٍ يعني بظاهر مِنَ الْقَوْلِ مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له ولا باطل صالح ولا حاصل وكان أستاذنا أبو الاقسم الحبيبي يقول: معنى الآية عندي: قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر من القول يعلمه؟ فإن قالوا بباطن لا يعلمه أحالوا، وإن قالوا: بظاهر يعلمه قل لهم سموهم «٢» ، وبينوا من هم، فإن الله لا يعلم لنفسه شريكا، ثم قال:

بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ كيدهم.

قال مجاهد: قولهم! يعني شركهم وكذبهم على الله.

وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وصرفوا عن الدين والطريق المستقيم.

قرأ أهل الكوفة: بضم الصاد واختاره أبو عبيد بأنه قراءة أهل السنة: وفيه إثبات القدر.

وقرأ الباقون: بالفتح، واختاره أبو حاتم اعتبارا بقوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «٣» وقوله وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «٤» وقوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «٥» ... وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ يعني إياه فَما لَهُ مِنْ هادٍ موفق لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا


(١) زيادة عن تفسير الطبري: ١٣/ ٢٠٧- ٢٠٨.
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٣٢٢.
(٣) سورة الحج: ٢٥.
(٤) سورة الفتح: ٢٥.
(٥) سورة النساء: ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>