للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى إن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أفضل، ثمّ تلا هذه الآية.

وقال بعض أهل المعاني: مجاز قوله تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ليحسنّن إليهم في الدنيا. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا في الله على ما نابهم وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ الآية نزلت في مشركي مكة حين أنكروا نبوة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فهلّا بعثت إلينا ملكا.

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني هم أهل الكتاب إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ فإن قيل: ما الجالب لهذه الباء؟

قيل: قد اختلفوا في ذلك: فقال بعضهم: هي من صلة أرسلنا و (إلا) بمعنى غير، مجازه: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة. وهذا كما تقول: ما ضرب إلّا أخوك عمر، وهل كلم إلّا أخوك زيدا، بمعنى ما ضرب عمر غير أخيك، هل كلم زيدا غير أخيك.

قال أوس بن حجر:

أبني لبينى لستم بيد ... إلا يد ليست لها عضد «١» .

يعني غير يده، قال الله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «٢» أي غير الله.

وقال بعضهم: إنما هذا على كلامين، يريد: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا أرسلنا بالبينات والزبر ويشهد على ذلك بقول الأعمش:

وليس مجيرا إن أتى الحي خائف ... ولا قائلا إلّا هو المتعيّبا «٣»

يقول: لو كان بذلك على كلمة لكان خطأ من سفه القائل، ولكن جاء ذلك على كلامين كقول الآخر:

نبّئتهم عذّبوا بالنار جارهم ... وهل يعذّب إلّا الله بالنار «٤»

وتأويل الكلام: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أرسلناهم بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ «٥» .


(١) تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦.
(٢) سورة الأنبياء: ٢٢.
(٣) تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦، ولسان العرب: ١/ ٦٣٣.
(٤) المصدر السابق.
(٥) بطوله في تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦- ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>