للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: «انتهى موسى إلى الخضر (عليه السلام) وهو نائم عليه ثوب مسجىّ، فسلّم عليه فاستوى جالسا قال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. قال موسى: وما أدراك بي؟ ومن أخبرك أني نبيّ بني إسرائيل؟ قال الذي أدراك بي ودلّك عليّ» «١» [٨٥] .

وقال سعيد بن جبير: وصل إليه وهو يصلي، فلما سلّم عليه قال: وأنّى بأرضنا السلام؟! ثمّ جلسا يتحدّثان فجاءت خطّافة وحملت بمنقارها من الماء، قال الخضر: يا موسى خطر ببالك أنّك أعلم أهل الأرض، ما علمك وما علم الأولين والآخرين في جنب الله إلّا أقلّ من الماء الذي حملته الخطافة، فذلك قوله تعالى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً. قالَ لَهُ: للعالم مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً:

صوابا؟ قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني أعمل بباطن علم علّمنيه ربّي عزّ وجلّ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ يا موسى عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، يعني على ما لم تعلم؟ وقال ابن عباس:

وذلك أنه كان رجلا يعمل على الغيب.

قالَ موسى: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً. قال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ مما تنكر حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً: حتى ابتدئ لك بذكره، وأبيّن لك شأنه. فَانْطَلَقا يسيران يطلبان سفينة يركبانها حَتَّى إِذا أصابها رَكِبا فِي السَّفِينَةِ، فقال أهل السفينة: هؤلاء لصوص، فأمروهما بالخروج منها، فقال صاحب السفينة: ما هم بلصوص ولكنّي أرى وجوه الأنبياء.

وقال أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما دخلوا إلى البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من السفينة حتّى دخلها الماء فحشاها موسى ثوبه وقال له: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها» «٢» [٨٦]

. وقرأ أهل الكوفة (لِيَغْرِقَ) بالياء المفتوحة (أَهْلُها) برفع اللام على أن الفعل لهم، وهي قراءة ابن مسعود، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أي منكرا. قال القتيبي: عجبا. والإمر في كلام العرب الداهية، قال الراجز:

قد لقي الأقران منّي نكرا ... داهية دهياء إدّا إمرا «٣»

وأصله: كل شيء شديد كثير، يقال: أمر القوم، إذا كثروا واشتدّ أمرهم.

قالَ العالم أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قالَ موسى: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ

[أخبرنا أبو عبد الله بن حامد الورّاق عن حامد بن محمد قال: قال أبو سعد بن موسى المروروذي ببغداد، وأخبرنا محمد بن أبي ناجية الاسكندراني عن سفيان بن عيينة عن عمر بن


(١) تفسير القرطبي: ١١/ ١٥ بتفاوت يسير.
(٢) صحيح البخاري: ١/ ٣٩ بتفاوت.
(٣) الصحاح: ٢/ ٥٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>