للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الْمُشْرِكِينَ «١» مجرور في اللفظ بالنسق على من مرفوع المعنى بفعله كقوله عزّ وجلّ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «٢» أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ أي خبر كما نقول: ما أتاني من أحد من فيه، وفي جوابها صلة، وهي كثيرة في القرآن.

وَاللَّهُ يَخْتَصُّ والاختصاص أوكد من الخصوص لأن الاختصاص لنفسك والخصوص لغيرك.

بِرَحْمَتِهِ بنبوّته. مَنْ يَشاءُ يخص بها محمّدا صلّى الله عليه وسلّم.

وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [أي ابتداء لعلى ... خبر علة أو المراد من الرحمة الإسلام والهداية «٣» ] ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها الآية وذلك إنّ المشركين قالوا: ألّا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر لم ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع فيه غدا، ما هذا القرآن إلّا كلام محمّد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا. فأنزل الله وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ «٤» ، وأنزل أيضا ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ثمّ بيّن وجه الحكمة في النّسخ بهذه الآية.

وأعلم إنّ النسخ في اللغة شيئان:

الوجه الأول: بمعنى التغيير والتحويل قال الفراء: يقال: مسخه الله قردا ونسخه قردا، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب فينقل ما فيه إليه قال الله تعالى إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «٥» : أي نأمر الملائكة بنسخها.

قال ابن عبّاس في هذه الآية: ألستم قوما عربا هل يكون نسخة إلّا من أصل كان قبل ذلك؟ وعلى هذا الوجه القرآن كلّه منسوخ لأنّه نسخ من اللوح المحفوظ فأنزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

روى عبد الوهاب بن عطاء عن داود عن عكرمة عن ابن عبّاس: أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا ثمّ أنزله جبرائيل على محمّد آيا بعد آي، وكان فيه ما قال المشركون وردّ عليهم.

والوجه الثاني: بمعنى رفع الشيء وإبطاله يقال: نسخت الشّمس الظل: أي ذهبت به وأبطلته [ ... ] عنّى بقوله ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ وعلى هذا الوجه يكون بعض القرآن ناسخا ومنسوخا وهي ما تعرفه الأمّة من ناسخ القرآن ومنسوخه وهذا أيضا يتنوّع نوعين:


(١) في هامش المخطوطة: والمراد مشركو العرب كأبي سفيان.
(٢) سورة الأنعام: ٣٨.
(٣) عن هامش المخطوط.
(٤) سورة النحل: ١٠١.
(٥) سورة الجاثية: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>