قال مجاهد وقتادة: إنّما قال إبراهيم هذا في سرّ من قومه ولا يسمع ذلك إلّا رجل واحد منهم، وهو الذي أفشاه عليه وقال: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ.
قال السدّي: كان لهم في كلّ سنة مجمع وعيد، فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثمّ عادوا إلى منازلهم، فلمّا كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم إبراهيم فلمّا كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إِنِّي سَقِيمٌ يقول: أشتكي رجلي، فتواطؤوا رجله وهو صريع، فلمّا مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعف الناس تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى الآلهة فإذا هنّ في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، كلّ صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الأصنام، قالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلمّا نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء: أَلا تَأْكُلُونَ؟ فلمّا لم يجبه أحد قال: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ؟ فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ، وجعل يكسرهنّ بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلّا الصنم الأكبر «١» علّق الفأس في عنقه ثم خرج، فذلك قوله سبحانه فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً.
قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بكسر الجيم أي كسرا وقطعا جمع جذيذ وهو الهشيم، مثل خفيف وخفاف وكريم وكرام، وقرأ الباقون: بضمّه أي الحطام والدقاق إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي عظيما للآلهة فإنّه لم يكسره ووضع الفأس على عنقه لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ فيتذكّرون ويعلمون ضعفها وعجزها، وقيل: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ فيسألونه، فلمّا جاء القوم من عيدهم إلى